قد مدح اللهُ المؤمنين بأنهم يرجون رحمتَه ويخافون عذابه، وذلك في آيات كثيرة، منها قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء: 57].
(يعاتبُ اللهُ المشركين الجاهلين الذين يعبدون مخلوقات مثلَهم، الذين لا يملكون لأنفسِهم نفعًا ولا ضرًّا، فضلًا عن غيرهم، مع هذا هؤلاء المعبودون هم أنفسهم عابدون للهِ، يتقربون إليه بالأعمال الصالحةِ التي يحبها اللهُ ويرضاها، ويطمعون في رحمتِه ويخافون من عقابِه، وأخذوا يتسابقون في التقربِ إلى اللهِ، وهذا لاشك أنه مدحٌ لهم إذ أتوا بهذه الأعمال الصالحة، ومنها الرجاء الذي نحن في صدد الكلام عنه)([1]).
وقال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9]؛ وفي هذه الآية مدحٌ لمن اتصف بهذه الصفات، وهي:
1. القنوت: وهي المداومة على الطاعة([2]).
2. الخوف من عذابه: هو مُعَبَّر عنه هنا بالحذر من الآخرة.
3. رجاء رحمة الله سبحانه وتعالى.
وفي الآية مقابلةٌ بين العامل بطاعة الله وغيره، وبين العالمِ والجاهل، فليس من اجتهد في العبادة والطاعة بأداء الفرائض والنوافل، مع ذلك هو يخاف من ربِّه التقصيرَ، ويرجو رحمته والقبول عنده بمن ليس كذلك؛ لأن هذا قد جمعَ بين العمل الظاهر والباطن، وهذه الطاعة دليلٌ على علمِ صاحبها وحسنِ ظنٍّ بربه عز وجل.
ولهذا عقَّبَ تعالى بقوله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9]؛ أي (هل يستوي الذين يعلمون ما لهم في طاعتِهم لربِّهم من الثواب، وما عليهم من معصيتِهم إياه من التبعات، والذين لا يعلمون ذلك، فهم يخبُطُون في عشواءٍ، لا يرجون بحسن أعمالهم خيرًا، ولا يخافون بسيئها شرًّا؟ يقول: ما هذان بمتساويين)([3]).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قالَ اللهُ تعالى: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معه حين يذْكُرُنِي، إن ذَكَرَنِي في نفْسِه ذَكَرْتُه في نَفْسِي، وإن ذكرني في ملإٍ ذَكَرْتُه في مَلَإْ خيرٍ منهم، وإن تقرَّبَ مني شبرًا تقربتُ إليه ذراعًا، وإن تقرَّبَ إليَّ ذراعًا تقربتُ منه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيتُه هرولةً))([4]).
أما الحديث القدسي ففيه بشارة عظيمة لأهل الرجاء، (حيث أخبر أنه عند ظنِّ عبده به، فإن أحسنَ الظنَّ باللهِ وجده عند حسن ظنه، أي عامله على حسب ظنِّه، وفعل به ما يتوقعه منه، فمن يحسن رجاءَه لن يخيب ظنه فيه، ومن ظنَّ به ظنَّ السوء فكذلك.
ولكن حسن الظن بالله يكون بعملٍ من الإنسان يقتضي حسن الظن به، وأن الله تعالى يقبل عمله، ويعفو عن تقصيره، وأما أن تحسنَ الظنَّ بلا عمل فهو من باب التمني على الله، وأسوأ من ذلك أن تحسنَ الظنَّ باللهِ مع مبارزتك له بالعصيان)([5])، فنسأل اللهَ حسنَ الظنِّ فيه مقرونًا بالعمل الصالح.
([2]) انظر: رسالة في قنوت الأشياء كلها لله عز وجل، ضمن جامع الرسائل لشيخ الإسلام ابن تيمية، (1/5-8).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.