الحمدُ للهِ وَالصلاةُ وَالسلامُ على رسولِ اللهِ وَآلِه وَصَحْبِه وَمَنْ وَالَاه وبعد ...
وَللرجاءِ فضائلُ عديدةٌ يغتنمُها صاحبُه؛ ومنها:
1. رجاءُ مغفرةِ الذنوبِ:
يقولُ الرسولُ صلى اللهُ عليه وسلم: ((أذنبَ عبدٌ ذنبًا فقال: اللهمَّ اغفرْ لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنبَ عبدِي ذنبًا فعَلِمَ أن له ربًّا يغفرُ الذنبَ ويأخذُ بالذنبِ، ثم عادَ فأذنب فقال: أي ربِّ اغفرْ لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنبَ ذنبًا فعَلِمَ أنَّ له ربًّا يغفرُ الذنبَ ويأخذُ بالذنبِ، ثم عادَ فأذنبَ فقال: أي ربِّ اغفرْ لي ذنبِي، فقال تبارك وتعالى: أذنبَ عبدِي ذنبًا فعَلِمَ أنَّ له ربًّا يغفرُ الذنبَ ويأخذُ بالذنبِ، واعملْ ما شِئْتَ فقد غفرتُ لَكَ))([1]).
قالَ عبدُ اللهِ بن المبارك - رحمهُ اللهُ -: (جئتُ إلى سفيان الثوري - رحمهُ اللهُ - عشيةَ عرفة وهوَ جاثٍ على ركبتيه وَعيناه تهملان، فقلتُ له: منْ أسوأُ الناسِ حالًا؟ قالَ: الذي يظنُّ أنَّ اللهَ لا يغفرُ لهم)([2]).
(مَرِضَ معاويةُ مرضًا شديدًا، فنزلَ عن السريرِ فكشفَ ما بينه وَبينَ الأرضِ، وَجعلَ يلزقُ ذا الخدِّ مرةً بالأرضِ، وَذا الخدِ مرةً بالأرضِ، ويبكي ويقولُ: اللهمَّ إنَّك قلتَ في كتابِك: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء: 48]؛ فاجعلني ممنْ تشاءُ أنْ تغفرَ له)([3]).
لمَّا حضرتْ عمرو بن العاص الوفاةُ، وضعَ يدَه موضعَ الغل منْ ذقنِه، ثمَّ قالَ: (اللهمَّ أمرتَنَا فَتَرَكْنَا، وَنهيتَنَا فركَبْنَا، وَلا يسعُنا إلا مغفرتُك)، وَكانتْ تلك هجيراه حتى ماتَ رحمهُ اللهُ([4]).
2. فتحُ بابِ الأملِ:
قالَ اللهُ تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110]؛ يخبرُ اللهُ تعالى أنَّ منْ أذنبَ ذنبًا كبيرًا كانَ أوْ صغيرًا ثمِّ تابَ وَاستغفرَ يغفرُ اللهُ له([5])، قالَ الفضيلُ بن عياض - رحمهُ اللهُ -: (لوْ أدخلني الناسُ فصرتُ فيها مَا أيستُه)([6]).
3. يعطيه اللهُ مَا رجاه:
يقولُ الرسولُ صلى اللهُ عليه وسلم: ((إنَّ اللهَ يقولُ: أنا عند ظنِّ عبدي بِي، وأنا معه إذا دعاني))([7])؛ قولُه تعالى: ((أنا عند ظنِّ عبدي بِي)): أي بالرجاءِ وَأملِ العفو، وَقيلَ المعنى: أنا عندَ يقينه بي وعلمِه بأنَّ مصيرَه إليَّ وحسابَه عليَّ، وأنَّ ما قضيتُ له منْ خيرٍ أوْ شرٍّ فلا مردَّ له لدي([8]).
يقولُ أحمد بن العباس النمري: (وإنِّي لأرجو اللهَ حتى كأنني أرى بجميلِ الظنِّ ما اللهُ صانع)، وعنْ الفضيل بن عياض - رحمهُ اللهُ - وقدْ نظرَ إلى تسبيحِ الناسِ وَبكائِهم عشيةَ عرفة، فقالَ: (أرأيتُم لوْ أنَّ هؤلاء صاروا إلى رجلٍ فسألوه دانقًا - سدس درهم - أكانَ يردُّهم؟! قالوا: لا، قالَ: وُاللهِ، للمغفرةُ عندَ اللهِ أهونُ منْ إجابةِ رجلٍ لهم بدانق).
4. دخولُ الجنة:ِ
قالَ تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر: 9]، ومعنى ذلك: (فمنْ يقنتُ بالليلِ ساجدًا تارةً وقائمًا تارةً أخرى، يحذرُ عقابَ الآخرةِ وَيرجو أنْ يرحمَه اللهُ وَيُدْخِلَهُ الجنةَ)([9]).
5. فرحُ اللهِ تعالى بالعبدِ وَتقربِه منه:
يقولُ الرسولُ - صلى اللهُ عليه وسلم -: ((قالَ الله عز وجل: أنا عند ظنِّ عبدِي بي، وأنا معه حيث يَذْكُرُنِي، والله! لله أفرح بتوبةِ عبدِه من أحدِكم يجد ضالته بالفلاة، ومن تقرَّب إليَّ شبرًا تقربتُ إليه ذراعًا، ومن تقرَّبَ إليَّ ذراعًا تقربتُ إليه باعًا، وإذا أقبل إليَّ يمشي أقبلتُ إليه أهرول))([10])، فاللهُ تعالى يفرحُ لتوبةِ عبدِه أشدَّ الفرحِ، فاللهُ واسعُ المغفرةِ، أرحمُ بعبادِه منَ الوالدةِ على وَلَدِهَا.
6. نيلُ الثوابِ:
قالَ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 218]، فهم يطمعون في نيلِ الثوابِ، وَالرجاءُ المقصودُ هنا هو القطعُ في أصلِ الثوابِ؛ قالَ لقمانُ لابنِه: (أي بني، عوِّدْ لسانَك: اللهمَّ اغفرْ لي، فإنَّ للهِ ساعاتٍ لا يَرُدَّ فيهم سائلًا)([11]).
الهوامش:
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.