إن الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ فمن الصلوات المبتدعة التي اخترعها الصوفية وهي في جملة صلوات نقلها اللكنوي في كتابه عن بعض المتصوفة، وصنفها الشيخ بكر أبو يزيد من البدع المحدثة.
وصفتها: وَهِي أَربع رَكْعَات يُصليهَا بعد سنة الْعشَاء الْآخِرَة يقْرَأ فِي الأولى بعد الْفَاتِحَة آيَة الْكُرْسِيّ ثَلَاث مَرَّات وفى الثَّانِيَة سُورَة الْإِخْلَاص والمعوذتين مرّة وفى الثَّالِثَة آيَة الْكُرْسِيّ ثَلَاث مَرَّات وفى الرَّابِعَة سُورَة الْإِخْلَاص والمعوذتين مرّة. وَقَالَ بَعضهم: يقْرَأ فِي الأولى آيَة الْكُرْسِيّ ثَلَاث مَرَّات وفى الثَّانِيَة سُورَة الْإِخْلَاص ثَلَاث مَرَّات وَيَقُول بعد السَّلَام أَربع مَرَّات حَال كَونه سَاجِدا سُبْحَانَ الْقَدِيم الَّذِي لم يزل سُبْحَانَ الْعَلِيم الَّذِي لَا يجهل سُبْحَانَ الْجواد الَّذِي لَا يبخل سُبْحَانَ الْحَلِيم الَّذِي لَا يعجل وَيَقُول إِحْدَى وَعشْرين مرّة يَا رَحِيم"[1].
ولا شك في بدعية تلك الصلاة؛ لعدم ورودها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم لا في حديث صحيح ولا ضعيف، بل ولا موضوع.
وقهر العبد لنفسه لا يحصل بصلاة محدثة وشرعة مختلفة، فذلك يزيد النفس ضلالا، ويكسوها ظلمة بشؤم البدعة! إنما يحصل قهر النفس المحمود بالتقيد بشريعة الله جملة، واحتمال المكاره في ذلك، وتوطين النفس على تحمل المشاق له، والصبر على ذلك. فيصبر العبد على فعل الطاعات ويصبر عن ارتكاب المحظورات، ويصبر على أقدار الله المؤلمة، وبذلك يكون قد قهر نفسه بالحق، وألزمها الطريق السوي، ونقلها عن صفتها الأمارة بالسوء إلى كونها نفسًا مطمئنة، وهذا هو عين الجهاد وحقيقة الانتصار، قال فضالة بن عبيد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله" أخرجه الترمذي وصححه، وابن حبان.[2]
قال في "تحفة الأحوذي": قوله: (المجاهد من جاهد نفسه) أي: قهر نفسه الأمارة بالسوء على ما فيه رضا الله من فعل الطاعات وتجنب المعصية، وجهادها أصل كل جهاد، فإنه إن لم يجاهدها لم يمكنه جهاد العدو الخارج[3].
وقال ابن رجب: وكذلك جهاد العدو الباطن وهو جهاد النفس والهوى، فإن جهادهما من أعظم الجهاد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "المجاهد من جاهد نفسه في الله". وقال عبد الله بن عمرو لمن سأله عن الجهاد: ابدأ بنفسك فجاهدها، وابدأ بنفسك فاغزها[4]. وقال بقية بن الوليد: أخبرنا إبراهيم بن أدهم، قال: حدثنا الثقة، عن علي بن أبي طالب قال: أول ما تنكرون من جهادكم أنفسكم.
وقال إبراهيم بن أبي عبلة لقوم جاءوا من الغزو: قد جئتم من الجهاد الأصغر، فما فعلتم في الجهاد الأكبر؟ قالوا: وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد القلب. ويروي هذا مرفوعًا من حديث جابر بإسناد ضعيف ولفظه: "قدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر"، قالوا: وما الجهاد الأكبر؟ قال: "مجاهدة العبد لهواه".[5]
ويروي من حديث سعد بن سنان، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس عدوك الذي إذا قتلك أدخلك الجنة وإذا قتلته كان نورًا لك، وإنما أعدي عدوك نفسك التي بين جنبيك"[6].
وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في وصيته لعمر حين استخلفه: إن أول ما أحذرك نفسك التي بين جنبيك[7].
فهذا الجهاد يحتاج أيضًا إلى صبر، فمن صبر على مجاهدة نفسه وهواه وشيطانه غلبه، وحصل له النصر والظفر وملك نفسه، فصار ملكًا عزيزًا، ومن جزع ولم يصبر على مجاهدة ذلك غلب وقهر وأسر، وصار عبدًا ذليلًا أسيرًا في يد شيطانه وهواه، كما قيل:
إذا المرء لم يغلب هواه أقامه بمنزلة فيها العزيز ذليل
قال ابن المبارك: من صبر فما أقل ما يصبر، ومن جزع فما أقل ما يتمتع.. انتهى من (جامع العلوم والحكم).[8]
الهوامش:
[1] الآثار المرفوعة، ص 108.
[2] أخرجه أحمد 39/ 381، 23958، والترمذي 1621.
[3] تحفة الأحوزي، 5/206، وانظر فيض القدير للمناوي، 6/262.
[4] اخرجه ابن أبي الدنيا في محاسبة النفس، 62، ومن طريقه البيهقي في (الزهد الكبير) ص 368.
[5] أخرجه البيهقي في "الزهد الكبير"، 373، والخطيب في تاريخه، 13/ 523.
[6] أخرجه الطبراني 3445، من حديث أبي مالك الأشعري والبيهقي في الزهد 343 من حديث ابن عباس، وانظر الضعيفة، 1164، 4375، ولم أجده من حديث أنس مسندًا.
[7] أخرجه ابن عساكر في تاريخه، 30/416.
[8] جامع العلوم والحكم، 1/489.
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.