إن الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ فمن الصلوات المبتدعة التي اخترعها الصوفية صلاة ركعتين ليلة الجمعة بعد المغرب، زعموا أنها سببٌ لتسهيل الموت وما بعده من الأهوال، يقرأ في كل ركعة منهما بعد الفاتحة سورة الزلزلة خمس عشرة مرة؛ استنادًا على حديث: "من صلى ليلة الجمعة ركعتين قرأ فيهما بفاتحة الكتاب وإذا زلزلت خمس عشرة مرة".
وفي رواية: خمسين مرة، "خمسين مرة. "أمنه الله من عذاب القبر ومن أهول يوم القيامة"[1].
أقرها في "نهاية الزين" مستشهدًا لذلك بقوله: "كما ذكره السنوسي وغيره"!!
ومما لا شك فيه أن العبادة لا تثبت بمجرد الاجتهاد أو الاستحسان أو الرأي، بل بالدليل الشرعي المستمد من الكتاب والسنة الصحيحة.
وبهذه المناسب يحسن أن نذكر بمسألة تتعلق بالخاتمة، نسأل الله لطفه وإحسانه.
فنقول: إن سكرات الموت مما يبتلى بها المؤمن، كما يبتلى بالأسقام والهموم والنصب، وعلى قدر إيمانه تكون شدة الابتلاء، لذا كانت على الرسول صلى الله عليه وسلم شديدة، فقد روى البخاري عن عائشة أنه كان يقول عند موته: " لا إليه إلا الله، إن للموت سكرات"[2]، وفي رواية: أنها كانت تقول: فلا أكره شدة الموت لأحد أبدًا بعد النبي صلى الله عليه وسلم.[3]
قال في "تحفة الأحوذي": لما رأت شدة وفاته! علمت أن ذلك ليس من المنذرات الدالة على سوء عاقبة المتوفي، وأن هون الموت وسهوتله ليس من المكرمات[4].
وقال الحافظ ابن حجرك وفي الحديث أن شدة الموت لا تدل على نقص في المرتبة، بل هي للمؤمن إما زيادة في حسناته، وإما تكفير لسيئاته"[5].
أخرج البخاري عن أنس قال: لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه، فقالت فاطمة عليا السلام: واكرب أباه! فقال لها: "ليس على أبيك كرب بعد اليوم"[6].
قال ابن حجر: المراد بالكرب ما كان يجده من شدة الموت، وكان فيما يصيب جسده من الآلآم كالبشر، ليتضاعف له الأجر[7].
وقد بوب البخاري: باب أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم أورد فيه حديث ابن مسعود قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك، فقلت: يا رسول الله إنك لتوعك وعكًا شديدًا؟! قال: "أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم"، قلت ذلك بأن لك أجرين؟ قال: "أجل ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى؛ شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاته، كما تحط الشجرة ورقها"[8].
قال ابن حجر: وصدر هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه الدرامي، والنسائي في "الكبرى" وابن ماجه، وصححه الترمذي، وابن حبان، والحاكم، كلهم من طريق عاصم بن بهدلة، عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاء؟ قال: "الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه".. الحديث، وفيه: "حتى يمشي على ألأرض وما عليه خطيئة"[9]. انتهى.
وكل ما تقدم يكون أثناء معالجة سكرات الموت قبل النزع، أما عند نزع الروح وقت الاحتضار، فقد دلت النصوص من الكتاب والسنة على أن روح المؤمن تخرج بسهولة بالغة، وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء". أما روح الكافر، فتنزع بشدة وغلظة، وصفها صلى الله عليه وسلم بقوله: "فتتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فتقطع معها العروق والعصب"[10].
قال تعالى: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر: 27 - 30] وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30] قال الإمام الطبري: تهبط عليهم الملائكة عند نزول الموت.
وقال تعالى في حق الكافر: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الأنفال: 50] وقال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} [الأنعام: 93]، نسأل الله سبحانه حسن العاقبة في الدنيا والآخرة.
الهوامش:
[1] انظر: الآثار المرفوعة، ص56، ونقل العراقي أنه منكر ولا يصح.
[2] أخرجه البخاري (4449، 6510).
[3] أخرجه البخاري (44446)
[4] تحفة الأحوذي، 4/48- 49.
[5] فتح الباري، 11/363.
[6] أخرجه البخاري، 4462.
[7] فتح الباري، 8/149.
[8] أخرجه البخاري، 5648.
[9] فتح الباري، 10/111، والحديث المذكور أخرجه الدارمي (2783)، وصححه الألباني في الصحيحة، 143.
[10] أخرجه احمد، 30/500، رقم: (18534)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، 2556، وصحيح الترغيب والترهيب، 3558.
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.