إن الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ إن موانع التوكل هي حواجز تجعل من العبد سكونًا، وكفا وتمنعًا، وهي أمور مذمومة شرعًا لدرجة أن منها ما يؤدي إلى الكفر والشرك بالله تعالى، واقتضت الحكمة الإلهية أن يجعل للبشرية –خاصة المؤمنة منها – أعداء من شياطين الجن يوسوسون لشياطين الإنس بالضلال والشر والأباطيل، ليضلوهم؛ ويصدوهم عن التوحيد، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام: 112].
ولهذه الموانع المذكورة مفاسد، وأضرار كثيرة في حياة الفرد والمجتمع أهمها:
- إهانة الإنسان وانحطاط قدره ومنزلته إذا سأل أحدًا غير الله تعالى؛ فسبحانه له ما في السماوات، وما في الأرض.
- أنها وكر للخرافات والأباطيل؛ لأنه بضعف يقينه وثقته بالله تعالى يعتقد بوجود مؤثر غير الله في الكون من الكواكب أو الجن أو الأرواح فيصبح عقله مستعدًا لكل خرافة، وتصديق لكل دجال، وعلى هذا يروج في المجتمع بضاعة الكهنة والدجالين، والعرافين، والسحرة والمنجمين.
- ظلم الإنسان لنفسه، وهذا من تكبره على آيات الله تعالى فيظلم أعظم الحقائق، حقيقة لا إله إلا الله، ولا رب غيره، ولا حكم لسواه، فبغرور الإنسان وعجبه بنفسه يسعى في الأرض فسادًا.
- يتعطل العمل النافع الصالح؛ لأنه يتبع هواه وشهواته.
فهذه من أهم الأضرار الناتجة من تلك الحواجز المانعة عن التوكل على الله.
والسلف الصالح من الدعاة إلى الله، والمصلحون شاهدوا وواجهوا حالات خطيرة للضعف الذي أصاب الأمة الإسلامية، فكان من اللازم تزكيتها، فالقلب قسا وكثرت أمراضه، وإذا كان من الآثار المباشرة لهذا المرض الجهل بأسماء الله، وضعف اليقين به تعالى والتكبر على آياته، والغرور والعجب بالنفس، واتباع الهوى والشهوات، فهذه أمور خطيرة للسير قدمًا للأمام، فأصبح التركيز على هذه المعاني واجبًا على الذين يريدون الإصلاح لهذه الحياة الفردية والجماعية[1].
فالله تعالى ذم الجاهلين في كتابه العزيز حيث قال: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} [الأنفال: 22]، أخبر تعالى أن هذا الضرب من بني آدم شر الخلق والخليقة الصم عن سماع الحق، البكم عن فهمه، فهم لا يعقلون فهؤلاء شر البرية؛ لأن كل دابة مما سواهم مطيعة الله فيما خلقها له وهؤلاء خلقوا للعبادة فكفروا، ولهذا شبههم بالأنعام، فهؤلاء مسلوبو الفهم الصحيح والقصد إلى العمل الصالح[2].
وضعف اليقين والثقة بالله تعالى تقود العبد إلى ضعف الإيمان فيقترب المرء بذلك من الهاوية، قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} [الجاثية: 32]. والمعنى أنهم غير متحققين من ذلك الوعد وتلك الساعة[3]، والتكبر على الله تعالى خلق يجر صاحبه إلى الهلاك، فهو آفة عظيمة وحجاب دون الجنة، قال تعالى: {لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} [النحل: 23].
"فالكبر خلق باطن تصدر منه أعمل هي ثمرته، فيظهر على الجوارح، وذلك الخلق هو رؤية النفس لى المتكبر عليه يعني يرى نفسه فوق غيره في صفات الكمال، فعند ذلك يكون متكبرًا"[4]، والغرور والعجب بالنفس، واتباع الهوى والشهوات، تفضي إلى تعدي حدود الله والجرأة على عصيانه، ويطمع العبد متبجحًا في عفوه مستصغرًا للكبائر، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار: 6 - 8] وقال تعالى: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26]
فالحذر الحذر من الإعجاب واتباع الهوى فهما من أعظم الآفات والحبطات للأعمال، فالمؤمن الحق هو من يستحضر عظمة الله في نفسه في كل وقت، وهذا هو السبب الموجب، لخشية الله في السر كما يخشى في العلن، فإن من علم أن الله يراه حيث كان، وأنه سبحانه مطلع على الباطن والظاهر والسر والعلن، واستحضر ذلك دائمًا في كل وقت وحين فحينئذ يجتهد العبد لتكميل نفسه بالطاعات، ولزومها، والابتعاد عن كل ما يغضب الجبار، فالإسلام جاء ليطهر النفس وجاء بعقيدة التوحيد النفية الصافية حتى لا تنحط النفوس وتخرج من ظلمة الضلالة والجهل، ويرفعها من وهدة الشرك، ويطهرها، ويهذب النفس فإذا صحت العقيدة، سلمت النفس.
وكمل الإيمان؛ لأن النفوس مرآة لكل حق، وتضيء ما حولها بحيث تنفع كل من دنى منها، والإسلام حريص على النفوس المؤمنة الصادقة، فكره لهم أن ينحطوا في الاعتقاد كما انحط أعداء الإسلام، وأراد لهم التطهر مما انغمس فيه الكفار فالموانع ذنوب تجعل صاحبها مخالفًا للمأمورات، وفاعلًا للمحظورات، وبهذا يبعد العبد المؤمن عن نور الإسلام فشيئًا فشيئًا، وينغمس في هذه المحظورات التي تحرم نور العلم، وتحرم الرزق وتحرم الطاعة، وتوهن القلب، والبدن، وتورث الذل، وتحدث في الأرض الفساد.
وكمل الإيمان؛ لأن النفوس مرآة لكل حق، وتضيء ما حولها بحيث تنفع كل من دنى منها، والإسلام حريص على النفوس المؤمنة الصادقة، فكره لهم أن ينحطوا في الاعتقاد كما انحط أعداء الإسلام، وأراد لهم التطهر مما انغمس فيه الكفار فالموانع ذنوب تجعل صاحبها مخالفًا للمأمورات، وفاعلًا للمحظورات، وبهذا يبعد العبد المؤمن عن نور الإسلام فشيئًا فشيئًا، وينغمس في هذه المحظورات التي تحرم نور العلم، وتحرم الرزق وتحرم الطاعة، وتوهن القلب، والبدن، وتورث الذل، وتحدث في الأرض الفساد.
قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41] وتزيل النعم، وتحل النقم، فلابد من تقوى الله التي تجمع بين خير الدنيا والآخرة، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: 128].
الهوامش:
[1] انظر: لسعيد حوى، المستخلص في تزكية النفس (بيروت، ار عمار) ص 13.
[2] انظر: ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، (2/468)
[3] انظر: لابن كثير، تفسير القرآن العظيم، (4/233)
[4] انظر: المقدسي، مختصر منهاج القاصدين، كتاب ذم الكبر والجب، ص 227.
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.