إن الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛
توكل أهل الكهف:
قص ربنا علينا قصتهم، وفيها أنهم فتية آمنوا بالله وقومهم مشركون لو ظفروا بهم، لقتلوهم بالحجارة إن لم يرجعوا إلى ملة الكفر، فلجأوا إلى الله متضرعين {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} [الكهف: 10] وتوكلوا عليه موقنين {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا} [الكهف: 16] (والمعنى أن بعضهم قال لبعض: غذا فارقنا الكفار، فلنجعل الكهف لنا مأوى، ونتكل على الله، فهو يرحمنا ويرفق بنا) وذكر المفسرون أنهم كانوا من أبناء الملوك والسادة، ولذا قالو: {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا} [الكهف: 19] أي أطيبه. ومع ما كانوا فيه من النعيم إلا أنهم فروا من فتنة الكفر.
لا جرم أن الله نشر لهم من رحمته، وهيأ لهم من أمرهم مرفقًا، فحفظ أديانهم وأبدانهم، وجعلهم من آياته على خلقه، ونشر لهم من الثناء الحسن ما هو من رحمته بهم، ويسر لهم كل سبب حتى المحل الذي ناموا فيه كان على غاية ما يمكن من الصيانة)، وحفظهم من الشمس فيسر لهم الكهف، إذا طلعت الشمس تميل عنه يمينًا، وعند غروبها تميل عنه شمالًا، فلا ينالهم حرها فتفسد أبدانهم، وهم في متسع من الكهف ليطرقهم الهواء والنسيم، ويزول عنهم الوخم والتأذي، ويحسبهم الناظر أيقاظًا، لأن عيونهم مفتوحة لئلا تفسد، ويقلبهم ربهم؛ لئلا تفسد الأرض أجسامهم، وكلبهم الذي يحرسهم أصابه النوم معهم، وهو باسط ذراعيه بباب الغار؛ لئلا يمنع دخول الملائكة غارهم، وحفظهم أيضًا من الآدميين والرعب الذي نشره عليهم.
ومن عظيم رحمته بهم أن رفع قدرهم، وجعلهم آية للناس، وأبقى ذكرهم في كتابه العزيز، وكفى بذلك شرفًا.
توكل امرأتين ممن سلف:
وأختم هذه القصص بذكر قصتين لامرأتين وثقتا بربهما فما أخلف الله ظنهما.
عن حميد (يعني ابن هلال) قال: عن حميد يعني ابن هلال، قال: كان رجل من الطفاوة طريقه علينا، فأتى على الحي، فحدثهم، قال: قدمت المدينة في عير لنا، فبعنا بياعتنا، ثم قلت: لأنطلقن إلى هذا الرجل فلآتين من بعدي بخبره، قال: فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو يريني بيتا، قال: «إن امرأة كانت فيه فخرجت في سرية من المسلمين، وتركت ثنتي عشرة عنزا لها، وصيصيتها كانت تنسج بها» ، قال: " ففقدت عنزا من غنمها، وصيصيتها، فقالت: يا رب إنك قد ضمنت لمن خرج في سبيلك أن تحفظ عليه، وإني قد فقدت عنزا من غنمي، وصيصيتي، وإني أنشدك عنزي، وصيصيتي "، قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شدة مناشدتها لربها تبارك وتعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فأصبحت عنزها ومثلها، وصيصيتها ومثلها، وهاتيك فأتها فاسألها إن شئت» ، قال: قلت: بل أصدقك "[1].
الهوامش:
[1] رواه أحمد في مسنده، رقم: (20664).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.