الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد. الدين وسط بين الإفراط والتفريط والجفاء والغلو، كما قال صلى الله عليه وسلم: (فمن رغب عن سنتي فليس مني)[1]، وقال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)[2] وقال بعض العارفين: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، وقال ابن مسعود: الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة.
فالشرع هو ما شرعه الله أو شرعه رسوله صلى الله عليه وسلم والابتداع هو ما كان على خلاف هدي سيد الأولين والآخرين محمد صلى الله عليه وسلم، فالسعيد من اتبع والشقي من ابتدع لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر.
وإن من الخصائص التي يزعم بعض الناس أنهم فاقوا بها درجة عالية في العبادة واليقين ويزعمون أنهم على علم واتباع ما يأتي:
خصائصهم في الصيام:
قال الشعراني في ترجمة شيخه مرشد: (أخبرني أنه مكث نحو أربعين سنة يأكل كل يوم زبيبة واحدة حتى لصق بطنه على ظهره)[3].
خصائصهم في القيام:
قال المناوي في ترجمة شاه بن شجاع الكرماني: (أقام شهراً لا ينام)[4] وقال الشعراني في ترجمة علي الكازروني: (كان رضي الله عنه كثير المجاهدة والرياضة، أخبرني رضي الله عنه أنه ربما يمكث الخمسة شهور أو أكثر لا يضع جنبه على الأرض لا ليلاً ولا نهاراً)[5].
انقطاعهم عن الخلوات والفلوات:
قال ابن ضيف الله في ترجمة مصطفى الشريف المغربي: (كانت مجاهداته فوق الحد، ويدخل الخلوة اثنا عشر شهراً ما يمرق منها إلا يوم العيد)[6].
وقال الشعراني في ترجمة الشيخ أبي علي: (كان هذا الشيخ من كُمّل العارفين.. مكث نحو أربعين سنة في خلوة مسدود بابها ليس لها غير طاقة يدخل منها الهواء)[7].
خصائصهم في الزهد والورع:
قال المناوي في ترجمة الحسن الفلاَّس: (كان يلبس صافي المزابل ولا يأكل إلا القمامة)[8].
وقال الشعراني في ترجمة إبراهيم بن أدهم: (كان رضي الله عنه إذا لم يجد الطعام الحلال يأكل التراب، ومكث شهراً يأكل الطين)[9].
قال ابن الجوزي في تلبيس إبليس على الزهاد: (ومن تلبيسه عليهم: أنه يوهمهم أن الزهد ترك المباحات، فمنهم من لا يزيد على خبز الشعير، ومنهم من لا يذوق الفاكهة، ومنهم من يقلل المطعم حتى ييبس بدنه، ويُعذِّبُ نفسَه بلبس الصوف ويمنعها الماء البارد، وما هذه طريقة رسول صلى الله عليه وسلم وطريقة أصحابه وأتباعهم، وإنما كانوا يجوعون إذا لم يجدوا شيئاً فإذا وجدوا أكلوا، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل اللحم ويحبه، ويأكل الدجاج، ويحب الحلوى، ويستعذب الماء البارد)[10].
أولياء الله تعالى عقلاء ليسوا مجانين:
ترجم الشعراني وغيره لعدد من المجانين من أصحاب الأحوال الشيطانية ونسبوهم إلى الولاية مما أساؤوا به إلى أولياء الله تعالى الصالحين غاية الإساءة. وإليك طرفاً من ذلك:
قال الشعراني في ترجمة سيده إبراهيم بن عصيفير: (وكان يغلب عليه الحال فيخاصم ذباب وجهه وكان يتشوش من قول المؤذن الله أكبر، فيرجمه ويقول: عليك يا كلب نحن كفرنا يا مسلمين حتى تكبروا علينا، وكان لا ينام إلا في الكنيسة ويقول: أنا ما عندي من يصوم حقيقة إلا النصارى لأنهم لا يأكلون اللحم الضاني والدجاج أيام الصوم، أما المسلمون فصومهم باطل عندي لأنهم يأكلون اللحم الضاني والدجاج)[11].
وقال في ترجمة سيده بركات الخياط: (كان رضي الله عنه يقول لمن يخيط له: هات معك فوطة وإلا يتسخ قماشك من ثيابي، وكان دكانه منتناً قذراً؛ لأن كل كلب وجده ميتاً أو قطاً أو خروفاً يأتي به فيضعه داخل الدكان، فكان لا يستطيع أحد يجلس عنده)[12].
قال ابن تيمية في قوله صلى الله عليه وسلم: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن النائم حتى يستيقظ))[13]، هذا الحديث قد رواه أهل السنن من حديث علي وعائشة رضي الله عنهما. واتفق أهل المعرفة على تلقيه بالقبول. لكن الصبي المميز تصح عبادته ويثاب عليها عند جمهور العلماء، وأما المجنون الذي رفع عنه القلم فلا يصح شيء من عباداته باتفاق العلماء، ولا يصح منه إيمان ولا كفر ولا صلاة ولا غير ذلك من العبادات (بل لا يصلح هو عند عامة العقلاء لأمور الدنيا كالتجارة والصناعة.. إلى قوله: وإذا كان المجنون لا يصح منه الإيمان ولا التقوى ولا التقرب إلى الله بالفرائض والنوافل، وامتنع أن يكون ولياً لله فلا يجوز لأحد أن يعتقد أنه ولي الله) لا سيما أن تكون حجته على ذلك إما مكاشفة سمعها منه، أو نوع من تصرف، مثل أن يراه قد أشار إلى واحد فمات أو صرع فإنه قد علم أن الكفار والمنافقين -من المشركين وأهل الكتاب- لهم مكاشفات وتصرفات شيطانية كالكهان والسحرة وعباد المشركين وأهل الكتاب، فلا يجوز لأحد أن يستدل بمجرد ذلك على كون الشخص ولياً لله)[14].
مفاسدهم الأخلاقية:
- فمن مفاسدهم الأخلاقية: يختلون بالمردان ويجلسون مع النساء.
- يتعرون أمام الملأ.
- يقترفون الفواحش.
قال ابن الجوزي: (ومن هؤلاء من قارب الفتنة فوقع فيها فلم تنفعه دعوى الصبر والمجاهدة. والحديث بإسناد عن إدريس بن إدريس، قال: حضرت بمصر قوماً من الصوفية، ولهم غلام أمرد يغنيهم، قال: فغلب على رجل منهم أمره فلم يدر ما يصنع، فقال: يا هذا قل لا إله إلا الله، فقال الغلام: لا إله إلا الله، فقال: أُقبِّلُ الفم الذي قال: لا إله إلا الله)[15].
قال ابن القيم: (وعشقهم يجمع المحرمات الأربع: من الفواحش الظاهرة والباطنة، والإثم والبغي بغير الحق، والشرك بالله ما لم ينزل به سلطاناً، والقول على الله ما لا يعلمون، فإن هذا من لوازم الشرك، فكل مشرك يقول على الله ما لا يعلم).
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] رواه البخاري، كتاب النكاح، باب الترغيب في الزواج، رقم الحديث: (5063).
[2] رواه البخاري، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور، رقم الحديث: (2697).
[3] الطبقات الكبرى(2/133).
[4] المرجع السابق (2/36).
[5] المرجع السابق (2/163).
[6] المرجع السابق الصفحة نفسها.
[7] ط. ك للشعراني (2/80).
[8] الكواكب الدرية (1/222).
[9] ط. ك للشعراني (1/59).
[10] تلبيس إبليس لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي ص (168).
[11] ط. ك. للشعراني (2/126).
[12] ط. ك للشعراني (2/130).
[13] رواه أبي داود، كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق، رقم الحديث: (4401).
[14] مجموع الفتاوى: (11/191-192)
[15] تلبيس إبليس ص (304).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.