عبد القادر بن أبي صالح بن عبد الله الجيلي ـ نسبة إلى جيل في طبرستان ـ ثم البغدادي، ولد بكيــلان سنة (470 هـ) ووفد بغداد شاباً سنـة (488 هـ)، وتفقه على عدد من مشايخها منهم أبو سعيد المُخَرَّمي، وكان على مذهب الإمام أحمد في الفروع ، وفي الصفات ، وبغض الكلام وأهله، خلف شيخه أبا سعيد المُخَرَّمي على مدرسته فدرس فيها إلى أن مات.
جلس الشيخ عبد القادر للوعظ سنة (520 هـ)، وحصل له القبول عند الناس، واعتقدوا ديانته وصلاحه، وانتفعوا بكلامه ووعظه.
اشتهر عن الشيخ عبد القادر رحمه الله ما يدل على فقهه وثبات قدمه في العلم.
وظهرت على يدي الشيخ عبد القادر بعض الكرامات، وتاب وأسلم على يديه العديد من الناس.
توفي رحمه الله وله تسعون سنة ودفن بالمدرسة المذكورة سنة (561 هـ).
الغلو ونسبة الأباطيل للشيخ الجيلاني
نسب إلى الشيخ عبد القادر ، زوراً وبهتاناً الكثير من القصص والحكاية منها زعمهم:
أنه قال: إن أزمَّة أهل الزمان على قلبي، وأنا المتصرف في عطائهم ومنعهم
وأنه قال: إن قلوب الناس في يدي، إن أردتُ صرفها عني صرفتها، وإن أردتُ صرفتها إلي.
وقال أحدهم: إن الشيخ الجيلاني هو غوث الأغواث، وإن له حق التثبيت في اللوح المحفوظ، وأنه يملك أن يجعل المرأة رجلاً.
ونقل البريلوي شيخ الطريقة البريلوية بالهند وباكستان وبنكلاديش: أن الشيخ عبد القادر كان يمشي في الهواء على رؤوس الأشهاد في مجلسه، ويقول: ما تطلع الشمس حتى تسلم عليَّ.
وقال البريولي كذلك: إن الشيخ عبد القادر فرش فراشه على العرش، وأنزل العرش على الفرش.
ومن المصادر الرئيسية للغلو والكذب على الشيخ الجيلاني
كثرت الكتب التي أوردت أخبار الشيخ ، ومن أهمها كتاب كبير في ثلاث مجلدات في مناقب الشيخ عبد القادر جمعها من غير خطام، ولا زمام، ولا تحرير، ولا اهتمام أبو الحسن الشطنوفي المصري، فهو الذي تحمل بثها وسيبـوء بوزرها، ولا ينقص ذلك من أوزار من اتبعه شيئاً.
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله: ((كان الشيخ عبد القادر رحمه الله في عصره معظماً، يعظمه أكثر مشايخ الوقت من العلماء والزهاد، وله مناقب وكرامات كثيرة، ولكن قد جمع المقرئ أبو الحسن الشطنوفي المصري في أخبار الشيخ عبد القادر ومناقبه ثلاث مجلدات، وكَتَبَ فيها الطم والرم، وكفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع.
وقد رأيتُ بعض هذا الكتاب، ولا يطيب على قلبي أن أعتمد على شيء مما فيه فأنقل منه إلا ما كان مشهوراً معروفاً من غير هذا الكتاب، وذلك لكثرة ما فيه من الرواية عن المجهولين، وفيه الشطح، والطامات، والدعاوى، والكلام الباطل، ما لا يحصى، ولا يليق نسبة مثل ذلك إلى الشيخ عبد القادر رحمه الله، ثم وجدت الكمال جعفر الأدفوني قد ذكر أن الشطنوفي نفسه كان متهماً فيما يحكيه في هذا الكتاب بعينه)).
أقوال أهل العلم في الشيخ عبد القادر
قال الإمام الذهبي خاتماً ترجمة الشيخ عبد القادر بقوله: ((وفي الجملة الشيخ عبد القادر كبير الشأن، وعليه مآخذ في بعض أقواله ودعاويه، واللهُ الموعد، وبعض ذلك مكذوب عليه)).
وقال عنه الحافظ ابن كثير رحمه الله: ((كان له سمت حسن، وصمت غير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان فيه زهد كثير، وله أحوال صالحة ومكاشفات، ولأتباعه وأصحابه فيه مقالات، ويذكرون عنه أقوالاً وأفعالاً، ومكاشفات أكثرها مغالاة، وقد كان صالحاً ورعاً، وقد صنف كتاب "الغنية"، و"فتوح الغيب"، وفيهما أشياء حسنة، وذكر فيهما أحاديث ضعيفة وموضوعة، وبالجملة كان من سادات المشايخ ، توفي وله تسعون سنة ودفن بالمدرسة التي كانت له)).
قال ابن السمعاني رحمه الله: ((إمام الحنابلة وشيخهم في عصره، فقيه صالح، ديِّن خيِّر، كثير الذكر، دائم الفكر، سريع الدمعة)).
وقال الحافظ ابن رجب معتذراً لما صدر من الشيخ عبد القادر: ((ومن ساق الشيوخ المتأخرين مساق الصدر الأول، وطالبهم بطرائقهم، وأراد منهم ما كان عليه الحسن البصري وأصحابه مثلاً من العلم العظيم، والعمل العظيم، والورع العظيم، والزهد العظيم، مع كمال الخوف والخشية، وإظهار الذل والحزن والانكسار، والازدراء على النفس، وكتمان الأحوال والمعارف والمحبة والشوق ونحو ذلك، فلا ريب أنه يزدري المتأخرين، ويمقتهم، ويهضم حقوقهم، فالأولى تنزيل الناس منازلهم، وتوفيتهم حقوقهم، ومعرفة مقاديرهم، وإقامة معاذيرهم، وقد جعل الله لكل شيء قدراً.
ولما كان الشيخ أبو الفرج بن الجوزي عظيم الخبرة بأحوال السلف والصدر الأول، قل من كان في زمانه يساويه في معرفة ذلك، وكان له أيضاً حظ من ذوق أحوالهم، وقسط من مشاركتهم في معارفهم، كان لا يعذر المشايخ المتأخرين في طرائقهم المخالفة لطرائق المتقدمين ويشتد إنكاره عليهم.
وقد قيل: إنه صنف كتاباً ينقم فيه على الشيخ عبد القادر أشياء كثيرة.
إلى أن قال: وللشيخ عبد القادر رحمه الله كلام حسن في التوحيد والصفات، والقدر، وفي علوم المعرفة موافق للسنة.
وله كتاب "الغنية لطالبي طريق الحق"، وكتاب "فتوح الغيب"، وجمع أصحابه من مجالسه في الوعظ كثيراً، وكان متمسكاً في مسائل الصفات والقدر ونحوها بالسنة، بالغاً في الرد على من خالفها)).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.