إن الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ فإن تحقيق التوكل على الله يحقق للمتوكل محبته سبحانه فأي منزلة هذه التي يحب الله فيها المتوكلين عليه فيقضي للعبد ما يريده ويسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنه فهو إمرؤ يمشي على الأرض ويحبه الله تعالى فحري بالعبد المؤمن أن يحرص على التوكل على الله ولا يترك هذه الخلة التي يحبها الله ويحب أهلها، وهي الصفة التي تميز المؤمنين عن غيرهم.
قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159]
فمحبة الله تعالى للعبد يتنافس فيها المتنافسون وهي روح الإيمان والأعمال[1]، فإذا حصلت محبة الله للعبد يصير القلب منشغلا به ومسدد الظاهر والباطن ومحبًا للقاء الله، فهذه الثمرة لا يقطفها إلا من بذلوا نفوسهم للوصول إلى ما يرضي محبوبهم وذلك بالإخلاص واللزوم والدوام إلى الميل إلى طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وإذا أحب الله عبدصا سخره لعمل الطاعات كما في الحديث القدسي "... ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه"[2].
فعرف المؤمن الأولون ذلك فحرصوا على تحقيق هذه المحبة وعملوا في إطار ذلك فأولى بالمؤمن أن يشمر لذلك ليحوز على شرف الدنيا والآخرة.
وفي الآخرة تكون الجائزة العظيمة، والفوز الكبير بدخول الجنة، قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران: 173-174]
وجعل الرسول الكريم جزاء المتوكل على ربه الجنة "يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفًا بغير حساب"، قالوا ومن هم يا رسول الله قال: "هم الذي لا يكتوون ولا يسترقون، وعلى ربه يتوكلون" فقام عكاشة فقال: ادع الله أن يجعلني منهم قال: انت منهم، فقام رجل، فقال: اد الله لي يا رسول الله فقال سبقك بها عكاشة"[3].
وهذا الجزاء لكمال تحقيق التوكل على الله سبحانه، ولا يستحق هذ الجزاء إلا العبد الصادق الكامل في عقيدته، وسعادة المؤمنين المتوكلين لا تعادلها سعادة عندنا يدخلون الجنة بغير حساب لأنهم قد طابت أعمالهم وأقوالهم وعقائدهم.
الهوامش:
[1] انظر: ابن القيم، مدارج السالكين، (3/6-7)
[2] البخاري، ح (6502) باب في التواضع.
[3] أخرجه البخاري في صحيحه (ص 1133)، في كتاب الرقاق، باب يدخلون الجنة سبعون ألفًا بغير حساب، ومسلم في صحيحه (117)، في كتاب الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب.
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.