الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ ويكون هذا في الثامن عشر من شهرِ ذي الحجة، وهو أحدُ أعيادِ الرافضةِ، بل هو من أعظم أعيادِهم التي يحتفلون بها، وذلك لاعتقادِهم وزعمهم أن الإمامةَ أو الوصية بالولاية لعلي - رضي الله عنه - حصلت في هذا اليوم؛ لذا فلا يكاد يخلو مُؤَلَفٌ من مؤلفاتهم إلا وللغديرِ فيه ذكر، بل قد أُفْرِدَ بأكثر من مُؤَلَفٍ، ومن هنا جاء تعظيمُه والاحتفال به([1]).
واحتفالهم بهذا العيد يكونُ بالصلاة والدعاء والتزاور فيما بينهم وإظهار الفرح والسرور بهذه المناسبة، كما يعمدون إلى زيارة القبورِ والمشاهد التي جعلوها مرتادةً لآلِ البيتِ في زعمِهم ليمارسوا هناك طقوسًا معينة؛ من طوافٍ وتبركٍ حولها وغيرِ ذلك من أنواع الشرك، وفي ذلك يقول الأميني: (للإمامية مجتمعٌ باهرٌ يومَ الغديرِ عند المرقدِ العلوي الأقدس يضم إليه رجالاتُ القبائل، ووجوهُ البلادِ من الدانين والقاصين إشادة إلى هذا الذكرِ الكريم)([2]).
وقبل نقل بعض أقوال الشافعية في ذكر أول حدوث هذه البدعة وبيان بطلانها والتحذير منها، فليعلم القارئ أن الأصل في حادثة الغدير ثابتٌ في السنة الصحيحة، فعن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - قال: ((قامَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فينا خطيبًا بماء يُدعى "خما" بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووَعَظَ وذَكَّرَ، ثم قال: أما بعد، ألا أيها الناس فإنما أنا بشرٌ يوشكُ أن يأتيَ رسولُ ربي فأجيبُ، وأنا تاركٌ فيكم ثقلين، أولهما: كتابُ اللهِ، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتابِ اللهِ واستمسكوا به))، فحثَّ على كتابِ اللهِ ورَغَّبَ فيه.
ثم قال: ((وأهلُ بيتي، أُذَكِّرُكُم اللهَ في أهلِ بيتي، أُذَكِّرُكُم اللهَ في أهلِ بيتي، أُذَكِّرُكُم اللهَ في أهلِ بيتي، أُذَكِّرُكُم اللهَ في أهلِ بيتي)) ... الحديث([3])، وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيد علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فقال: ((من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللهمَّ والِ من والاه وعادِ من عاداه))([4])([5]).
فهذا هو الأصلُ في "غدير خما" وما حصل فيه، ولكن الرافضة زادوا فيه وبدَّلوا لتحقيق مطلبهم وغايتهم التي يزعمون، وأكثروا الروايات المكذوبة في ذلك خلفًا عن السلف، وفي ذلك يقول الألوسي - رحمه الله -: (فهو من عمدةِ أدلتهم على خلافةِ الأمير - كرَّمَ اللهُ وجهَه -، وقد زادوا فيه إتمامًا لغرضِهم زيادات منكرة، وصنعوا في خلالها كلماتٍ مزورة)([6]).
وبهذا يُعلم أن اتخاذ اليوم الثامن عشر من ذي الحجة عيدًا يُسمى بـ"عيد الغدير"، والاحتفال به وممارسة تلك الأعمال والطقوس فيه، من المنكرات الفظيعة والبدع الشنيعة، لأن ذلك إحداث شعار في الدين، ولم يكن أحد السلف الصالحين من أهل البيت ولا من غيرهم يفعل ذلك، وإنما أحدثه هؤلاء الرافضة فيما بعد للاستدلال على إثبات الوصية والإمامة لعلي - رضي الله عنه - بزعمهم، وكان أول من أحدثه هو معز الدولة أحمد بن بويه، وذلك في سنة (352هـ) ببغداد.
وهاك بعض أقوال الشافعية في ذلك:
قال الحافظ الذهبي في حوادث سنة (325هـ): (وفيها يومُ ثامن عشر ذي الحجة، عملت الرافضةُ عيدَ الغدير - غدير خما - وصلُّوا بالصحراء صلاةَ العيد)([7]).
وقال الحافظ ابن كثير في حوادث السنة نفسها: (وفي ثامن عشر ذي الحجة منها أَمَرَ معز الدولة بن بويه بإظهار الزينة في بغداد، وأن تُفتح الأسواقُ بالليلِ كما في الأعياد، وأن تُضرب الدبادب والبوقات، وأن تُشعل النيران في أبوابِ الأمراء وعند الشرط، فرحًا بعيدِ الغدير، فكان وقتًا عجيبًا مشهودًا، وبدعة شنيعة، وظاهرة منكرة)([8]).
وقال الإمام ابن دقيق العيد - رحمه الله -: (قد منعنا إحداث ما هو شعار في الدين، ومثاله: ما أحدثته الروافضُ من عيدٍ ثالث، سموه عيدَ الغدير)([9]).
([2]) الغدير في الكتاب والسنة والأدب، الأميني، (1/13)، نقلًا عن: الأعياد وأثرها على المسلمين، ص(404).
([4]) رواه النسائي في خصائص علي، ص(96)، والحاكم في المستدرك، (4576)، وأحمد في مسنده، (19279)، وصححه الألباني بمجموع طرقه، السلسلة الصحيحة، (1750).
([5]) ليس في هذا الحديث دلالة على ما ادعته الرافضة من الوصية لعلي - رضي الله عنه -؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرد به قطعًا الخلافة بعده، إذ ليس في اللفظ ما يدل عليه، ومثل هذا الأمر العظيم يجب أن يبلغ بلاغًا مبينًا، وليس في الكلام ما يدل دلالة بينة على أن المراد به الخلافة، لأن الموالاة ضد المعاداة، وهي تثبت من الطرفين، وإن كان أحد المتواليين أعظم قدرًا وولايته إحسان وتفضل، وولاية الآخر طاعة وعبادة، كما أن الله يحب المؤمنين والمؤمنون يحبونه، فإن الموالاة ضد المعادة والمحاربة والمخادعة، والكفار لا يحبون اللهَ ورسولَه ويحادون اللهَ ورسولَه ويعادونه، وإذا كان كذلك فمعنى كون الله ولي المؤمنين ومولاهم، وكون الرسول وليهم ومولاهم، وكون علي مولاهم: هي الموالاة التي هي ضد المعاداة، والمؤمنون يتولون اللهَ ورسولَه، الموالاة المضادة للمعاداة.
وهذا حكم ثابت لكل مؤمن، فعلي - رضي الله عنه - من المؤمنين الذين يتولون المؤمنين ويتولونه، بل في هذا الحديث إثبات إيمان علي في الباطن والشهادة له بأنه يستحق الموالاة باطنًا وظاهرًا، وذلك يرد ما يقوله فيه أعداؤه من الخوارج والنواصب، لكن ليس فيه أنه ليس للمؤمنين مولى غيره، فكيف ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - له موالي وهم صالحو المؤمنين، فعلي أيضًا له موالي بطريق الأولى والأحرى وهم المؤمنون الذين يتولونه، وبهذا يظهر أنه ليس في الحديث ما يدل على الوصية لعلي بالخلافة، انظر: منهاج السنة، ابن تيمية، (7/321-323).
([7]) العبر في خبر من غبر، الذهبي، (2/90)، وانظر: الأعياد وأثرها على المسلمين، سليمان السحيمي، ص(399).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.