الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله؛ ثم أما بعد، قال الشعراني ((عن أبي المواهب الشاذلي قال: قابلت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن الحديث المشهور (اذكروا الله حتى يقولوا مجنون) وفي صحيح بن حبان([1]) "أكثروا من ذكر الله حتى يقولوا مجنون". فقال عليه الصلاة والسلام : صدق ابن حبان في روايته, وصدق راوي "اذكروا الله" فاني قلتهما معاً, مرة قلت هذا, ومرة قلت هذا)).
الطبقات الكبرى: (2ـ68).
ومن الأحاديث التي زعم الصوفية تصحيحها بالكشف حديث "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم". فقد قال الشعراني : ((وهذا الحديث وإن كان فيه مقال عند المحدثين فهو صحيح عند أهل الكشف)).
الميزان الكبرى: (1ـ30).
وقال في جواهر المعاني: ((وسئل سيدنا – رضي الله عنه – عن مسائل منها قوله عليه الصلاة والسلام : علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل. ([2])؟ قال : الجواب – والله الموفق بمنه وكرمه للصواب - أما ما ذكرت من الحديث وهو علماء أمتي ... الخ فليس بحديث, نص عليه السيوطي في "الدرر المنتشرة في الأحاديث المشتهرة" وسأل صاحب (الإبريز) شيخه – رضي الله عنه – فقال له: ليس بحديث, وذكره من جهة الكشف لأنه لا دراية له بعلم الحديث, وقوله حجة على غيره لأنه قطب – رضي الله تعالى عنه – كما صرح به صاحب الإبريز المذكور)).
جواهر المعاني: (2ـ71)
وينقل النبهاني في كتابه "سعادة الدارين" عن ابن حجر الهيتمي في شرحه على همزية البوصيري عند قوله :
ليته خصني برؤية وجهه **** زال عن كل من رآه الشقاء
قال في آخر كلامه هناك: ولقد كان شيخي وشيخ والدي الشمس محمد بن أبي الحمائل يرى النبي صلى الله عليه وسلم يقظة كثيراً حتى يقع له أنه يُسأل في الشيء فيقول: حتى أعرضه على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يدخل رأسه في جيب قميصه ثم يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه كذا فيكون كما أخبره لا يختلف ذلك أبدا فاحذر من إنكار ذلك فإنه السم)).
سعادة الدارين صفحة: (422).
ويقول العجلوني في مقدمة كتابه "كشف الخفاء" على سبيل الإقرار: ((والحكم على الحديث بالوضع والصحة أو غيرهما ، إنما بحسب الظاهرِ للمحدثين ، باعتبار الإسناد أو غيره ، لا باعتبار نفس الأمرِ والقطع، لجواز أن يكون الصحيح مثلاً باعتبار نظر المحدث: موضوعاً أو ضعيفاً في نفس الأمر، وبالعكس. نعم المتواتر مطلقاً قطعي النسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم اتفاقاً.
ومع كون الحديث يحتمل ذلك، فيعمل بمقتضى ما يثبت عند المحدثين، ويترتب عليه الحكم الشرعي المستفاد منه للمستنبطين. وفي "الفتوحات المكية"للشيخ الأكبر قدس سره الأنور ، ما حاصله: فرب حديث يكون صحيحاً من طريق رواته يحصل لهذا المكاشف أنه غير صحيح لسؤاله لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيعَلم وضعه، ويترك العمل به وإن عمل به أهل النقل لصحة طريقه. ورب حديثٍ ترِك العمل به لضعف طريقه، من أجل وضاع في رواته، يكون صحيحاً في نفس الأمر، لسماعِ المكاشف له من الروح حين إلقائه على رسول الله صلى الله عليه وسلم)) انتهى.
كشف الخفاء: (1ـ10)
ويقول الباجوري في شرحة على الجوهرة: ((ولعل هذا الحديث "حديث إحياء والدي النبي صلى الله عليه وسلم وإيمانهما ثم موتهما" صح عند أهل الحقيقة بطريق الكشف.)) اهـ
شرح الجوهرة صفحة: (30)
وينقل النبهاني في كتابه "سعادة الدارين" عن عبد الله بن أسعد اليافعي الصوفي المغرق ، والمتوفى سنة: (768 هـ): ((أخبرني بعضهم أنه يرى حول الكعبة الملائكة والأنبياء وأكثر ما يراهم ليلة الجمعة وليلة الاثنين وليلة الخميس وعد لي جماعة كثيرة من الأنبياء وذكر أنه يرى كل واحد منهم في موضع معين يجلس فيه حول الكعبة ويجلس معه أتباعه من أهله وقرابته وأصحابه وذكر أن نبينا صلى الله عليه وسلم يجتمع عليه من أولياء الله تعالى خلق لا يحصى عددهم إلا الله ولم تجتمع على سائر الأنبياء وذكر أن إبراهيم وأولاده يجلسون بقرب باب الكعبة بحذاء مقامه المعروف وموسى وجماعة من الأنبياء بين الركنين اليمانيين وعيسى وجماعة منه في جهة الحجر ورأي نبينا صلى الله عليه وسلم جالسا عند الركن اليماني مع أهل بيته وأصحابه وأولياء أمته وحكى عن بعض الأولياء أنه حضر مجلس فقيه فروى ذلك الفقيه حديثاً فقال له الولي: هذا باطل فقال: الفقيه من أين لك هذا.؟ فقال: هذا النبي صلى الله عليه وسلم واقف على رأسك يقول: إني لم اقل هذا الحديث)).
سعادة الدارين صفحة: (432) والفتاوى الحديثية لابن حجر الهيتمي صفحة: (297)
وقال النبهاني في كتابه "سعادة الدارين" نقلاً عن الشعراني صاحب الطبقات قوله: ((ورأيت ورقة بخط الجلال السيوطي عند أحد أصحابه وهو الشيخ عبد القادر الشاذلي مراسلة لشخص سأله في شفاعة عند السلطان قايتباي رحمه الله تعالى: "اعلم يا أخي إنني قد اجتمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وقتي هذا خمسا وسبعين مرة يقظة ومشافهة ولولا خوفي من احتجابه صلى الله عليه وسلم عني بسبب دخولي للولاة لطلعت القلعة وشفعت فيك عند السلطان وإني رجل من خدام حديثه صلى الله عليه وسلم وأحتاج إليه في تصحيح الأحاديث التي ضعفها المحدثون من طريقهم ولا شك أن نفع ذلك أرجح من نفعك أنت يا أخي)).
سعادة الدارين صفحة: (3).
ذكر صاحب "جواهر المعاني" ممن اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم من الصوفية: ((أبو مدين المغربي شيخ الجماعة ، والشيخ عبد الرحيم القناوي ، والشيخ موسى الزواوي ، والشيخ أبو الحسن الشاذلي ، والشيخ أبو العباس المرسي ، والشيخ أبو السعود بن أبي العشاير ، وسيدي إبراهيم المتبولي ، والشيخجلال الدين السيوطي ، وكان يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم واجتمعت به يقظة نيفاً وسبعين مرة. وأما سيدي إبراهيم المتبولي فلا يحصى اجتماعه لأنه يجتمع به في أحواله كلها ، ويقول: ليس لي شيخ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان أبو العباس المرسي يقول: لو احتجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة ، ما عددت نفسي من المسلمين)).
جواهر المعاني: صفحة (211).
وينقل الشعراني والنبهاني عن ابن عربي تصحيح بعض الأحاديث من النبي صلى الله عليه وسلم: قال النبهاني في كتابه "سعادة الدارين" نقلا عن كتاب "العهود المحمدية" للشعراني ما نصه:" ومما قاله الشعراني نصيحة لمن رغب في المجاورة في أحد الحرمين بقوله فإن كان من أهل الصفاء فليشاوره صلى الله عليه وسلم في كل مسألة فيها رأي أو قياس ويفعل ما أشار به صلى الله عليه وسلم بشرط أن يسمع لفظه صلى الله عليه وسلم صريحا يقظة.
كما كان عليه الشيخ محي الدين بن عربي رحمه الله قال: وقد صححت منه صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث قال بعض الحفاظ بضعفها فأخذت بقوله صلى الله عليه وسلم فيها ولم يبق عندي شك فيما قاله وصار ذلك عندي من شرعه الصحيح أعمل به وإن لم يطعني عليه العلماء بناء على قواعدهم)).
سعادة الدارين صفحة: (440)
وقال عبد الرحمن الخطيب الأنصاري في كتابه "الجوهر الشفاف": ((روى المشايخ رضي الله عنهم أن شيخ شيوخنا الشيخ الفقيه محمد بن علي رضي الله عنه قال: تخلفت سنة من السنين عن زيارة قبر النبي هود على نبينا وعليه السلام ، فبينما أنا جالس في مكان متعال سننه إذ دخل علي النبي هود عليه السلام وهو مطأطئ رأسه كيلا يصيبه السقف ، فلما وصل إلي قال لي: يا شيخ إن لم تزرنا زرناك ، فقلت له: من أين أتيت هذه الساعة قال من عند ابني هادون)).
كتاب"الجوهر الشفاف" (1ـ103)
وذكر الزبيدي في كتابه "طبقات الخواص" في ترجمة محمد بن يعقوب الكميت المعروف بأبي حربة أنه ركب البحر مع جماعة فتغيرت عليهم الريح في بعض الأيام وانكسر الدقل وسقط الشراع وأشرفوا على الغرق ، فتعلقوا بالفقيه ، ولازموه في كشف ذلك عنهم ، فقام إلى الدقل و وضع يده على موضع الكسر وقال: يا رسول الله: اشعب ، فالتأم الدقل بإذن الله تعالى وارتفع الشراع وساروا سالمين.
قال الزبيدي: ويحكى عنه أنه كان يقول: ما استغثت برسول الله صلى الله عليه وسلم إلاّ أجاب ، وأراه بعيني الشحمية)).
طبقات الخواص صفحة: (275)
قلت: خاب وافترى والله من زعم أن هذا الأمر في دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم والحق ما قاله الإمام النووي والعلماء رحمهم الله تعالى ، ففي كتابه المجموع شرح المهذب (6ـ292) قال النووي: فرع: لو كانت ليلة الثلاثين من شعبان ، ولم ير الناس الهلال ، فرأى إنسانٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له: الليلةُ أول رمضان ، لم يصح الصوم بهذا المنام لا لصاحب المنام ولا لغيره ، ذكره القاضي حسين وآخرون ونقل القاضي عياض الإجماع عليه ، وقد قررته بدلائله في أول شرح صحيح مسلم …… اهـ
وهو في مقدمة الصحيح باب: الكشف عن معايب رواة الحديث ونقلة الأخبار.
ولعظيم هذه الفتوى وحسنها أوردها الحافظ ابن حجر في كتابه المنتخب الذي جمع فيه فوائد وردت في شرح الإمام النووي لصحيح مسلم ( الفائدة الثالثة الصفحة الرابعة عشرة ) .
وكذلك أوردها أبو زرعة العراقي وأقرها في تكملته لكتاب طرح التثريب (8 ـ 215).
وقال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله ، في تعليقه على كتاب "المصنوع في معرفة الحديث الموضوع" لعلي القاري "رحمه الله" (ص273): ((ولا يكاد ينقضي عجبي من صنيعه هذا! ـ يعني العجلوني ـ وهو المحدث الذي شرح "صحيح البخاري"، كيف استساغ قبول هذا الكلام الذي تهدر به علوم المحدثين، وقواعد الحديث والدين؟ ويصبح به أمر التصحيح والتضعيف من علماء الحديث شيئاً لا معنى له بالنسبة إلى من يقول: إنه مكاشَف أو يَرى نفسه أنه مكاشَف! ومتى كان لثبوت السنة المطهرة مصدران: النقل الصحيح من المحدثين والكشف من المكاشفين؟! فحذارِ أن تغتر بهذا، والله يتولاك ويرعاك) اهـ.
ولكي يظهر لك أخي الكريم مدى سقوط قاعدة "ثبوت الحديث بالكشف" بعد أن قدمت لك أقوال أهل العلم ، إليك التالي:
من المعلوم أن الأئمة الفقهاء الأربعة قد اختلفوا في مسألة قراءة الفاتحة خلف الإمام ، فذهب الإمام الشافعي رحمه الله إلى وجوب قراءتها ، في الصلاة الجهرية والسرية ، وذهب الإمام مالك وأحمد رحمهما الله ، إلى قراءتها في السرية دون الجهرية ، وذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله ، إلى عدم قراءتها في الحالتين ، وقد استدل الجميع لما ذهبوا إليه من الحديث ، فالفريق الأول استدل بحديث: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) ، والفريق الثاني بحديث: ((وإذا قرأء ـ أي الإمام ـ فأنصتوا)). والفريق الثالث بحديث: ((من كان له إمام ، فقراءة الإمام له قراءة)). وقد علمنا أهمية الصلاة في الدين ، وعلمنا إجماع الأمة على صلاح وولاية الأئمة الأربعة ، فلماذا لم يأت الشافعي مثلاً ويقول: جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لي: مذهب مخالفيك خطأ ومذهب هو الصحيح ، ولماذا لم يفعلها أحد مخالفيه من الثلاثة ، بل لماذا لم يفعلها أتباعهم أمثال أبي يوسف والمزني وسحنون ، والملايين من أتباعهم عبر القرون ، بل لماذا لم نعرف هذه القاعدة الفاسدة الضالة الهدامة للدين في كتب أهل العلم المرضيين.؟
وكذلك قد أجمعت الأمة على إمامة وصلاح وولاية الإمام البخاري ومسلم ، فكيف بهما يسافران يقطعان الصحارى والوديان يطلبان الحديث بسنده ، ولم يقم واحد منهما بالاجتماع برسول الله صلى الله عليه وسلم ، والأخذ عنه مشافهة ، بدل حدثنا وأخبرنا ، وعنعن وأنأن.
وكيف بالأئمة أمثال ابن حجر وابن الصلاح والنووي والعراقي وآلاف غيرهم ، ممن اعتمد وكتب وألف في علوم المصطلح ، لم يذكر هذه القاعدة ، بل والله إن علم المصطلح مع ثبوت قاعدة ثبوت الحديث بالكشف ، لعلم هراء ومضيعة وقت.
وكيف لنا أن نحاجج المخالفين ، وكيف لنا أن نثبت الدين ، فالرافضي مثلاً يقول: أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أنت على الحق ، ويأتي السني فيقول: أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أنت على الحق ، وهكذا دواليك ، فأين الحق ، ويكيف يكون.!؟
نعم إخواني وألف نعم إن الأولياء أمثال ابن عربي ومن لف لفه من الصوفية يثبت عندهم الحديث بالكشف ، ولكن أولياء من هم ، أم كونهم أولياء الرحمن فلا وألف لا ، وما كان هادم الدين يوماً ولياً لله ، والله ولي الصالحين ، والحمد لله رب العالمين.
الهوامش
([1]) الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (2/93) حديث رقم (814) وأخرجه الحاكم في (المستدرك) 499/1 والإمام أحمد في (المسند) 3/68 وابن عدي في الكامل (3/980) وإسناده ضعيف لأن فيه دراج بن أبي السمح وهو شديد الضعف.
([2]) قال السخاوي: قال شيخنا – أي الحافظ ابن حجر ـ ومن قبله الدميري والزركشي: أنه لا أصل له زاد بعضهم: ولا يعرف في كتاب معتبر. المقاصد الحسنة (ص 286).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.