إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله جل وعلا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين، ثما أما بعد، فعن عياض المجاشعي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم، مما علمني يومي هذا، كل مال نحلته عبدا حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا، وإن الله نظر إلى أهل الأرض، فمقتهم عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب.
وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء، تقرؤه نائما ويقظان، وإن الله أمرني أن أحرق قريشا، فقلت: رب إذا يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة، قال: استخرجهم كما استخرجوك، واغزهم نغزك، وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشا نبعث خمسة مثله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك.
قال: وأهل الجنة ثلاثة ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال، قال: وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زبر له، الذين هم فيكم تبعا لا يبتغون أهلا ولا مالا، والخائن الذي لا يخفى له طمع، وإن دق إلا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك «وذكر» البخل أو الكذب والشنظير الفحاش"[1].
أسباب الانحراف عن العقيدة:
حينما نستعرض تاريخ الفرق والبدع في الإسلام، وأسباب انحرافها، نجد أنها ترجع إلى عوامل كثيرة ومتنوعة حسب البيئات والأقاليم، وحسب الأشخاص والمجتمعات، أو حسب الأحوال التي تكون عليها الأمة من القوة والضعف، ويمكن تقسيم الأسباب إلى ما يلي:
- أسباب ومؤثرات أجنبية خارجية.
- أسباب داخلية.
فأما الأسباب الخارجية فيمكن أن تخلص في العناصر التالية:
1- أثر بعض المسلمين بالأمم المجاورة والأخذ بثقافاتها وأفكارها الدينية، ولاسيما بعد المد الإسلامي واتساع الفتوح.
2- دخول بعض أصحاب الأديان الأخرى في الإسلام، ممن لم يتخلصوا من أفكارهم ومعتقداتهم السابقة، فأثاروا الشبهات في الإسلام.
3- ترجمة كتب الفلسفة المنحرفة، وتشجيع دراستها والتعمق فيها.
4- دخول بعض المغرضين من اليهود والمجوس ونحوهم في الإسلام بقصد الدس والكيد للإسلام والمسلمين.
إذا رجعت إلى أصول كثير من الفرق والبدع تجد لها أصولًا خارجية، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح " لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه"، قلنا يا رسول الله: اليهود، والنصارى قال: "فمن"[2].
وأما الأسباب الداخلية فمن أهمها:
1- تلقي الدين من غير مصادره، (الوحي) ومن غير أهله (العلماء).
2- الخلل في تقرير الدين والاستدلال عليه بالخروج من منهج السلف في ذلك.
3- اتباع الهوى، (فإنه أصل الزيغ ومفارقة الحق).
والدليل من سورة الجاثية قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية: 23]
4-الجهل: (وهو من أعظم الأسباب المؤدية إلى الابتداع والتفرق والاختلاف)، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا"[3].
5- الغلو والإفراط: (وهو من العوامل المؤثرة في تكون الفرق واختلافها، فنجد بعض الفرق تغلو في أئمتها إلى درجة العصمة، وبعض الفرق تغلو في آيات الوعيد لدرجة تكفير مرتكب الكبيرة.
6- فتح باب تأويل النصوص الشرعية بدون دليل، وهو من أعظم عوامل تفرق الأمم وابتداعها.
7- الاعتماد على الرأي في الدين وتقديمه على الشرع، واعتبار العقل منفردًا هو الأصل والأساس فيما يقبل ويرد في الدين.
8- التقليد والتعصب للمتبوعين، وتقديم أقوالهم ولو خالفت قول الله تبارك وتعالى أو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الهوامش:
[1] رواه مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار، رقم (63/2865)
[2] رواه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، رقم 3456.
[3] رواه البخاري، كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم، رقم 100.
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.