تمرُّ بالمؤمن وبالأمة فتراتٌ من التحديات البالغة والصعاب الجَمَّة، لا يمكن مواجهتها ولا تجاوزها إلا برصيدٍ وافرٍ من الصبر العملي واليقين المبدئي، وهذا الرصيد يرشِّح أهلَه لنيل درجة الأستاذية الاجتماعية، وهو ما تؤكِّده السنةُ الربانية التي رسمتها الآية الكريمة: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]، فصاغ شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - هذه السنة صياغة جميلة بقوله: (بالصبرِ واليقينِ تُنالُ الإمامةُ في الدينِ).
وكيف ترنو أبصارُ المؤمنين إلى قيادة ركب البشرية بشرع الله، وتهفو أفئدتُهم إلى ذلك إذا لم يُثبِتوا في واقعهم الدعوي والشخصي والاجتماعي جدارتهم لذلك، عبر الصمود الواعي والثقة الكاملة في صحة المرجعية والمنهج وحتمية المآل، ومواجهة الباطل المنتفخ في ساحةِ التحدي والظلم؟!
شيءٌ آخر غير التناول النظري في قاعات الدرس وحلقات المساجد، ولم يستحق الأنبياءُ الكرامُ، وبعدهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلةَ القيادةَ الروحية والاجتماعيةَ للبشر، إلا بعد أن جسَّدُوا القِيَمَ التي يُبشِّرُون بها في حركةِ التدافع الاجتماعي، وما تَستصحبه من ألوان العنَت والتضييق، فما خرَّت عزائمُهم ولا تسلَّل الوَهَنُ إلى دعوتهم ورؤيتهم، فلما صدَقوا اللهَ صدَقهم، وأجرى سُنَّةَ النصر والتمكين بعد الابتلاء والتمحيص.
عُدَّة الصبر:
إن الصبر الذي يُبْدِئُ فيه القرآنُ ويُعيد، يشتمل على معاني امتلاك اللبِّ والعقلِ ورباطةِ الجأشِ في ساعات المحن الشديدة والتحدي البالغ، فهو ضد الطيش والخور، ويشير إلى تحمُّل المؤمنين للعَنَتِ النفسي والمادي، بصوره الإيجابية منها والسلبية؛ كالثبات في ساحة المواجهة العسكرية والفكرية، والسياسية والحضارية، وتحمُّل مرارة حملات التشويه والانتقاص، والاستمرار في النهج السلمي، رغم إغراءات السلاح والتصعيد العنيف أثناء النزاعات الداخلية التي تُلِمُّ بالمجتمع.
وقد ضربَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في كل هذه المجالات في مكة والمدينة، ولولا صبره الكبير الطويل، ما استطاع امتلاك قلوب القرشيين في نهاية المطاف، رغم ما أصابه منهم من أشكال الأذى التي كانت لتستدرجه لحمل السلاح في وجه قومه، لولا توفيق الله تعالى الذي أفرغ عليه صبرًا وحبَّب إليه الخيارات السلمية الأكثر جدوى.
وذلك ما يظهر في عرض مَلَكِ الجبال عليه أن يُطْبِقَ الأخشبين على مناوئيه؛ فأعرض عن الثأر والانتقام صلى الله عليه وسلم، ومال إلى الطريق الطويل المضمون العواقب، وقال: ((أرجو أن يُخْرِجَ اللهُ عز وجل من أصلابِهم من يعبدُه ولا يشركُ به شيئًا))([1]).
أما في المدينة المنورة؛ فكان عليه صلى الله عليه وسلم أن يواجه المشركين المتربِّصين بالإسلام وأهله من القبائل العربية والدولة الرومانية، ويتيقَّظ في ذات الوقت للمنافقين الموجودين داخل الصف الإسلامي، المتظاهرين بالانتماء العقَدي إليه، بينما هم يجوسون خلاله بأنواع المكر والكيد.
ومع أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم يعرفهم، إلا أنه لبث إلى حين وفاته يصبرُ عليهم، وكان يمكنه أن يقضي عليهم، لكنه خشِيَ قول الناس: (إن محمدًا يقتلُ أصحابه)، وإنه لأمرٌ جَلَل أن يتحمَّل الصحابةُ مثل هذا الواقع، لكن هذا ما أُمروا به: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 35].
وكان القرآن الكريم يذكِّرهم برصيد التجربة عند من خاضوا بتوفيقٍ وسدادٍ تجربةَ حَمْلِ الرسالة: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 146-147].
تحمَّل ورثةُ الأنبياء - من حَمَلَة الرسالة بصبر جميل - كلَّ ما أصابهم في سبيل الله فحفظهم اللهُ من كل أنواع الهزات النفسية المهلكة؛ كالوَهَنِ والضعف والاستكانة - أي: من الاستسلام للواقع المرير -، ومن الهزيمة النفسية التي تُفضي إلى الانسحاب من ميدان المواجهة والدعوة والتدافع، ومن اللافت أنهم لم يُلقوا باللائمةِ على العدوِّ الخارجي، بل اشتغلوا بالإقبالِ على اللهِ وتزكية النفوس بالتوبة؛ ليستحقُّوا تنزُّل النصرِ من عند الله.
ولهذا كان شعار العصبة المؤمنة دائمًا أمام أقوامهم المخالفين لهم: {وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا} [إبراهيم: 12]، يؤثرون تحمُّل الأذى على الفتنة الداخلية التي لا تفيد الأمة والدعوة في شيء، بهذا انتصروا، وباليقين كلَّلوا نصرهم.
تحصين القلوب في المِحَنِ باليقين:
تموجُ الأرض بأحداث لا يعلمُ الناسُ آخرها، ولا يدركون أبعادها ونتائجها، وتُفَجِأُهم أخبارٌ لا يتصورونها ولا يتوقعونها، ومن يُعنون بدراسة طبيعة الأرض وتغيراتها، ويرصدون كوارثها وتحولاتها؛ ينذرون بأخطارٍ محدقة بالبشر، تتغير فيها تركيبة الأرض وأجواؤها ومدنُها وسواحلُها، لكنهم لا يجزمون بذلك، ولا يدرون متى يكون؟ ولا كيف يكون؟ ولا سبل النجاة منه، إن يظنون إلا ظنًّا وما هم بمستيقنين.
وعلماء الاجتماع والسياسة والاقتصاد يحاولون قراءة الواقع قراءةً صحيحةً لاستشراف المستقبل، وتوقي المخاطر، وتقليل الخسائر، لكنهم أيضًا لا يَصِلُون إلى يقين، ولا يعلمون الغيبَ القريب فضلًا عن البعيد.
وكثيرٌ من الدول المتقدمة قد يسعى ساستُها في زوالها من حيث أرادوا الحفاظَ عليها، كما نزعَ اللهُ تعالى قومًا من عروشهم بكسبِ أيديهم وهم لا يشعرون، وللربِّ سبحانه تدابير لا يدركها الناسُ، فما أعظم قدرة الله تعالى!! وما أوسع علمه!! وما أعجز البشر وأشد جهلهم!! ولو علموا ما علموا وملكوا من القوة ما ملكوا.
إرهاصاتٌ وتوقعاتٌ تنذر بتغيرات كبرى، قد تمتد لتشمل البسيطة كلها، مخاوف وهواجس تُقْلِقُ كبريات الدول، وتَقُضُّ مضاجع أقوياء البشر، يخفونها ولا يُبْدُونها، ويتجلدون أمام الملأ إزاءها وهي تأكلُ قلوبَهم.
إجراءاتٌ واحترازاتٌ مبنيةٌ على توقعاتٍ يسعى لها الأقوياءُ من الدول والأفراد لتأمين أنفسهم وأهليهم وأولادهم، ولتحصين دُوَلِهم من الاضطراب، ولكنها مبنيةٌ على ظنٍّ، وقد يأتيهم خطرُهم من مأمنِهم، فلا أحد غير الله تعالى يعلم ما سيكون، ولا كيف يكون، ولا متى يكون، وقد يحترزُ العبدُ بما يكون وبالًا عليه، وقد يفر من مأمنه إلى مَحلِّ خوفه وهو لا يدري: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} [الحشر: 2].
وإذا كانت الأحداث ونتائجها بخيرها وشرها وحلوها ومرها لا تَخْرُجُ عن تدبيرِ الله تعالى وأمره وقدره؛ فإن أعظم حرز يحترز به العبد، وأقوى حصن يتحصن به من كل حدث: اليقينُ بالله تعالى، اليقين بعلمه للغيب وإحاطته بكل شيء: {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [طه: 98]، {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 29]، {عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الكَبِيرُ المُتَعَالِ} [الرعد: 9].
واليقينُ بقدرته سبحانه على كل شيء، فلا يُعْجِزُهُ شيءٌ في الأرض ولا في السماء: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 106]، {وَللهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 189].
وفي الجمع بين العلم والقدرة: {إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [النحل: 70]، {وَهُوَ العَلِيمُ القَدِيرُ} [الرُّوم: 54]، {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطَّلاق: 12].
وفي الدعاء المأثور في الاستخارة: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ))([2])، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتوسل في بعض أدعيته لله تعالى بصفتي العلم والقدرة فيقول: ((اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ))([3]).
واليقينُ بحكمة الله تعالى في خلقه وأمره وقَدَرِه وفعله وشرعه، فلا يخلقُ إلا لحكمةٍ، ولا يأمر أمرًا كونيًّا إلا لحكمة، ولا يقدِّرُ قدرًا إلا لحكمة، ولا يشرع شرعًا إلا لحكمة: {وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النساء: 26]، {إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام: 83].
واليقين برحمة الله تعالى: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 12]، {إِنَّهُ هُوَ البَرُّ الرَّحِيمُ} [الطُّور: 28]، {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [غافر: 7]، {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156].
إن كل أمر نحاذره، وكل حدث نتوقعه، لا يخرج عن علمِ الله تعالى وقدرته؛ فاليقين بذلك يقوِّي قلبَ المؤمن الموقن، ويخفف عنه ألم المصائب والكوارث، فهي مع ضخامتها وقوة تدميرها وفداحة آثارها تصغر وتضمحل في قلوب الموقنين بعلمِ الله تعالى وقدرته، وكأنها شيءٌ صغيرٌ لا يؤبه به، فيزول بيقينهم أثرُها من قلوبهم، وبيقينهم يخفُّ وقعُها وألمُها على نفوسهم، فبَرَدُ اليقينِ يأتي على حرارةِ الكارثةِ فيزيله، فيطمئن القلب ويملأ بالسكينة.
ويقينهم بحكمة الله تعالى يملأ قلوبَهم ثقةً بالله تعالى في أن ما يُحْدِثُهُ من أحداث، وما يُقَدِّرُه من أقدار على الأفراد والدول والأمم، فيه من الحكم ما يعلمون بعضَها أو يجهلونها كلها، فيقينهم بحكمة الله تعالى يزيلُ ما يقذفه الشيطانُ في قلوبهم من زعمِ عبثية الأحداث وصدفِ الأقدار، تلك الأفكار الشيطانية التي تفتك بقلوب العدميين والعبثيين والوجوديين.
ومن أيقن بربٍّ حكيمٍ؛ عَلِمَ أن لجميع أفعاله حكمًا، فاستراح من التفكير والهواجس، ولم يستسلم لوساوس إبليس، وأمَّن نفسه في المستقبل المنظور، ولم يخفْ الغيب المجهول، واليقينُ برحمة الله تعالى فيه أمانٌ وتسليةٌ لا يجدها من فقدوا اليقين وساءت ظنونُهم بربِّ العالمين.
إن من أيقن أن اللهَ تعالى أرحم به من والدته ووالده والناس أجمعين، بل أرحم به من نفسه التي بين جنبيه، كيف يخشى قدرًا مخبوءًا؟! وكيف يخاف غيبًا مجهولًا، وهو يعلم أن الذي يُقَدِّرُ القدر، ويكتب الغيبَ أرحمُ به من أي أحد؟!
رأى النبيُّ صلى الله عليه وسلم امرأةً مسبية، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ، فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّار، قُالوا: لاَ، وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ، فَقَالَ: لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا)).
باليقين واجه موسى عليه السلام أعتى البشر، وأشدهم قسوة، وأكثرهم طغيانًا، وقال في وجهه بثبات ويقين: {وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا} [الإسراء: 102]، وكان عليه السلام يريد أن يغرس فيهم اليقين بذكر آيات الله تعالى الكونية والشرعية، فنازعه فرعونُ في الربوبية، لكن موسى ردَّ عليه بما يفيد اليقين لمن أراده ولم يكابر: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ العَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ} [الشعراء: 23-24].
وبالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين؛ فالذين لا يوقِنون بوعدِ الله تعالى، ولا يصبرون على ابتلائه، ولا يثبتون على الحقِّ الذي ارتضاه، ليسوا جديرين بالتمكين لهم في الأرض، ولا إمامة الناس في الهدى، وقد أخبر اللهُ تعالى عن طائفة من بني إسرائيل لزموا الصبرَ واليقينَ؛ فقال سبحانه فيهم: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]، وفي أحوال الفتن والمحن لا يثبتُ على الهدى، ولا يدعو الناسَ إلى الحقِّ إلا أهلُ اليقين، يثبتهم اللهُ تعالى بيقينهم به عز وجل.
وحذَّر اللهُ تعالى نبيَّه صلى الله عليه وسلم من الاستماع إلى أهلِ الشك والريب، أو الاغترار بأحوالهم، أو الانخداع ببلاغة أقوالهم؛ لأنهم يُغَرِّرُون من يوافقهم، ويستفزون من يخالفهم، وهدفهم في ذلك كله نزع اليقين من قلوب المؤمنين، وتحويلهم إلى مرتابين، وحقيقٌ بمن ملك الإيمان أن يسعى إلى اليقين، وأن لا يتنازل عنه مهما كلَّف الأمرُ، وأن يصبر على الأذى في سبيله: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الرُّوم: 60].
إن أعظم أمانٍ يُؤَمِّنُ به الإنسانُ نفسَه وأهلَه وولدَه من الفتن، وأقوى حصن يتحصن به حال المحن: اليقينُ بالله تعالى، فما أحوج قلوبُنا إليه في زمنٍ اشتدت فيه الفتن، وتتابعت المحنُ، واختلط الأمرُ، وتسارعت الأحداثُ.
وما أسعدنا إن ملأنا به قلوبنا وقلوب أهلينا وأولادنا؛ ذلك أن اليقين عَلْمٌ يحصلُ به ثَلَجُ الصدرِ، ويُسمى بَرْدَ اليقين، فهو العلم الذي يكون به اطمئنان النفس، ويزول ارتيابها واضطرابها، ولو ماجت الدنيا بأجمعها؛ قال عَلِيٌّ رضي الله عنه: (لَمَّا حَضَرَ الْبَأْسُ يَوْمَ بَدْرٍ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ، مَا كَانَ أَحَدٌ أَقْرَبَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْهُ)([4]).
يتحصنون من البلاء باليقين:
كان السلف الصالح - عليهم رحمة الله تعالى - يتحصنون من البلاء باليقين، ويتسلحون في مواجهته بالصبر والرضا، ولهم في ذلك أخبار غزيرة، وأحوال عجيبة.
الهوامش:
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.