د. عبد العزيز آل عبد اللطيف
هل يسوغ أن يقال: إن صاحب (الروحة) أطل بغتةً بلا مقدمات، فأشبه النبات المتسلق الذي يتمدد بلا جذور ولا عروق؟ أليس هو كالمنفوخ الذي يتشبع بما لم يعط، ويتكىء على جاه أبيه وجده، وكالأصلع الذي يفتخر بوفرة ابن عمه!؟
ولِمَ هذا التلميع الإعلامي وعبر (منشطات محظورة)؟ فمرة مع سماحة مفتي السعودية، بدعوى أنه فقيه شافعي، وأخرى يحشر مع دعاة، فيوصف بالداعية الإسلامي السعودي، وثالثة يقال عنه أحد المشتغلين بالفقه المقاصدي! وقد يلقب بالمفكر! وما سر اهتمام صحيفة الواشنطن بوست بصاحب الروحة والذي لم يبلغ الأربعين! وماذا عن لقائه بتلك الصحفية وجلوسه معها؟ وماذا عن أقاويل صاحب الروحة وآرائه؟ وهل المذكور طالب علم؟ أم مجرد مريد لمحمد علوي المالكي؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد: اطلعت على جملة من آراء عبد الله فدعق، والمبثوثة في مواقع الانترنت المتنوعة لا سيما ماقاله في برنامج (إضاءات) في قناة العربية وسأورد في هذه السطور جملة من الوقفات على تلك المقولات، وعلى النحو التالي:
سمى المذكور مجلس درسه ب(مجلس الروحة) وادّعى أن ذلك مشتق من حديث (لغدوة في سبيل الله أو روحة) ،ونفى أن تكون التسمية مأخوذة من مدينة في اسرائيل اسمها (الروحة)،وتمام الحديث :- (لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها)[1].
والمقصود بالروحة هاهنا: الجهاد في سبيل الله، وكما قال النووي (الشافعي) –رحمه الله- (والظاهر أنه لا يختص ذلك بالغدو والرواح من بلدته، بل يخصل هذا الثواب بكل غدوة أو روحة في سبيل الله، ومعنى هذا الحديث أن أفضل الغدوة والروحة في سبيل الله وثوابهما خير من نعيم الدنيا كلها)[2].
وقال الحافظ ابن حجر (الشافعي أيضا) -رحمه الله- (والحاصل أن المراد تسهيل أمر الدنيا وتعظيم أمر الجهاد)[3].
ومن المعلوم أن بين الصوفية والجهاد مفاوز شاسعة تنقطع فيها المطي، ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية - عن المتصوفة -: (وأما الجهاد في سبيل الله، فالغالب عليهم أنهم أبعد عنه من غيرهم)[4].
وتاريخ الصوفية حافل بالعملاء للمستعمر والخونة قديما وحديثا، ومفارقة أهل الجهاد ومنابذتهم، وحذر مسؤول الروحة من (سياسة القطيع) على حد تعبيره، ثم أعقب ذلك بوجوب التقليد فلا يسوغ للشخص أن يقول: أنا محمدي – أي متبع لمحمد صلى الله عليه وسلم -!
ونقول: إن التقليد هو اتباع قول الغير بلا حجة ولا دليل، وهذا نوع من التبعية والتعصب الأعمى أفليس هذا قريب من (سياسة القطيع)!؟ فعلام التناقض والاضطراب .
وللصوفية القدح المعلى والحظ الأوفر من إنفاذ سياسة القطيع فالشيخ يسلِّم إليه حاله!فلا يعترض عليه! ومن قال لشيخه: لِمَ فقد هلك!
يقول الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله-: (والعبارة الشائعة في كتب التصوف أن المريد بين يدي شيخه، كالميت بين يدي غاسله!! وهم يعنون بذلك الطاعة المطلقة إلا أن هذه الطاعة الغريبة محقت الإرادة الحرة والتفكير الحر معا)[5].
ويقول في كتاب آخر :- (إن الدجالين من رجال الطرق الصوفية كانوا يربون أتباعهم على التواضع بشتى الطرق المهينة، فإن رأوا أنفة في ملك أحدهم، أو دلائل عزة وترفع، جعلوا عليه مهمة حمل أحذية الجماعة، والمحافظة عليها، حتى تنكسر نفسه، وينخفض رأسه، وبذلك يكون مرشحا لعبادة الله كما يجب! ولم يدر المغفلون أنهم يرشحونه أيضا ليكون عبدا للناس جميعا، وإن مثل هذا الكائن الممسوخ هو أمل المستعمرين الذين يقيمون وجودهم على إذلال الأمم، وقتل الشعور بالكرامة في نفوس بنيها)[6]
لم يك حديث الغزالي –رحمه الله- عن خنوع الصوفية وانبطاحهم جهلا وظلما.
إذ يدّعي فدعق أن الصوفية مجهولة – فالغزالي عاش في أرض الكنانة والحافلة بشتى الطرق الصوفية، وقد سبر الغزالي مجتمعه من خلال رحلاته ودعوته، ووعظه وتدريسه وصدق الغزالي –رحمه الله- فإن مراتع التصوف هي أمل المستعمرين وبغيتهم، لا سيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ولذا جاء في تقرير راند (يمثل الصوفيون التأويل المنفتح والفكري للإسلام، وينبغي أن يشجع بقوة التأثير الصوفي على المناهج المدرسية والمعايير المعتمدة)[7]
فهل يمكن القول أن احتفاء صحيفة (واشنطن بوست) بفدعق نوع من ذاك التشجيع الوارد في التقرير الآنف الذكر، لا سيما وأن في أقاويل فدعق انفتاحا يروق للغرب – كما سيأتي بيانه إن شاء الله –.
افتخر فدعق بأن من مدرسة التصوف في الحرمين، وأبدى اعتزازه بتتلمذة على محمد علوي مالكي والعلماء الاعلام كابن باز وعبد الله بن حميد – رحمهما الله- وبقية أعضاء هيئة كبار العلماء لهم موقف معلوم ومشهور، إذ قد تبينوا ضلالاته وزندقته كما هو مبسوط في مقدمة كتاب حوار مع المالكي 5-18، كما أن الأشياخ قد أجابوا عن شبهاته ودعاويه، كما في (الرد على الخرافيين للشيخ سفر الحوالي)، و(هذه مفاهيمنا) للشيخ صالح آل الشيخ، ومن قبلهما(حوار مع المالكي للشيخ عبد الله المنيع)، وغيرهم.
وقد يقول قائل: إن المذكور سلك التصوف الصحيح فليس على شطحات المالكي؟
والجواب عن ذلك: أن صاحب الروحة قد خرج من جُبَّة المالكي، فهو مريد منقاد لشيخه المالكي كما في المعلومات الآتية:-
- حصر فدعق الشرك في الربوبية فقط- كما جاء في برنامج إضاءات – تقليدا واتباعا لمقالة شيخه حذو النعل بالنعل.[8]
- زعم فدعق أن الميت في قبره لا يعتبر ميتا!! وهو عنى ما سوده مولاه قائلا(أما دعوى أن الميت لا يقدر على شيء فهي باطلة)[9].
- ويزعم المالكي (أن الأرواح لها من الإطلاق والحرية ما يمكنها أن تجيب من يناديها وتغيث من يستغيث بها كالأحياء سواء بسواء، بل أشد وأعظم)[10].
- تلقف المريد من شيخه تجويز التوسل بالميت، وكما قال فدعق – وبعبارة ركيكة -: (التوسل ببساطة جدا هو ان الإنسان يلجأ إلى شخص آخر بدعاء الله لأن الله هو المعطي وليس صاحب القبر.. الخ).
وعلى كل حال فإن التشبث بلفظ التوسل والتدثر خلفه هومركبامتطاه المالكي ومن تبعه، ومن خلال هذا اللفظ يجوزون الإشتغاثة بالأموات وسؤالهم، وليس عدلا في حق المالكي أن يقال إن المذكور نسخة مصغرة من المالكي، بل يبقى فدعق منجملة المريدين المولعين بيشخه ومولاه، وبالجملة فإن هذا النفس القبوري –والذي يشم من فدعق – هو الذي ينعق به دعاة الوثنية في هذا العصر، ويسعون إلى تجديد ملة عمرو بن لحي وهو قرة عين الغرب النصراني إذ يفرحون بتلك الشركيات والوثنيات، قال عزوجل :- {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89]، وقدنشرت في العام المنصرم بعض الصحف العربية أن السفير الأمريكي بالقاهرة شارك في احتفال مولد احمدالبدوي، وأبدى إعجابهم الشديد بالتصوف! وأي حياة أومشروع حضاري يبعثه دعاة الوثنية الجدد، الذين استحوذ عليهم الوله بالأضرحة والمزارات، واستبعد أفئدتهم عبادة الأولياء والمجاذيب.
- هون المذكور من اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم محتجا بحديث – الذي كان يشرب الخمر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تلعنوه فوالله ما علمت أنه يحب الله ورسوله) وأعرض عن قوله تعالى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31]
ومن المعلوم أن ذاك الرجل – شارب الخمر – معه أصل محبة الله ورسوله، لكنها ليست تامة ولا محبة مطلقة، فلو كان كذلك لما شرب الخمر فإذا شرب الخمر فإما أن يكون تصديقه بأن الله يبغضها فيه ضعف، أونفس بغضه لما يبغضه الله فيه ضعف، وكلاهما يمنع تمام الإيمان الواجب.[11]
ومما قاله الحافظ ابن حجر – في شأن هذا الحديث:- (ويحتمل أن يكون استمرار ثبوت محبة الله ورسوله في قلب العاصي مقيدا بما إذا ندم على وقوع المعصية، وأقيم عليه الحد فكفِّر على الذنب المذكور، بخلاف من لم يقع منه ذلك فإنه يخشى عليه بتكرار الذنب أن يطبع الله على قلبه حتى يُسلب منه ذلك، نسأل الله العفو والعافية)[12]
ولا غرابة أن يلهج المذكور بمحبة لا إتباع فيها ولا انقياد، فهذا مما تهواه تلك النفوس المريضة، والتي تتثاقل عن إتباع الشرائع، وتستروح إلى الترنم بالمدائح النبوية والتواشيح الدينية، وكما قال شيخ الإسلام عنهم: (وهؤلاء يدّعون محبة الله في الابتداء، ويعظمون أمر محبته، ويستحبون السماع بالغناء والدفوف، ويرونه قربة؛ لأن ذلك بزعمهم يحرِّك محبة الله في قلوبهم، وإذا حُقق أمرهم وجدت محبتهم تشبه محبة المشركين لا محبة الموحدين، فإن محبة الموحدين بمتابعة الرسول والمجاهدة في سبيل الله. وهؤلاء لا يحققون متابعة الرسول، ولا الجهاد في سبيل الله، بل كثير منهم – أو أكثرهم يكرهون متابعة الرسول، وهم من أبعد الناس عن الجهاد في سبيل الله، بل يعاونون أعداءه ويدّعون محبته)[13]
- أصحاب التصوف ذوو دعاوى عريضة، وعبارات رنانة، وإشارات مثالية جامحة، لكن سرعان ما تنقشع وتزول عند أدنى الملمات والوقائع.
ويأتي صاحب الروحة في ذيل تلك القافلة المتعثرة، فيقرر أن التصوف هو مقام الإحسان أشرف مقامات الدين وأرفعها ،والناظر إلى التصوف المعاصر سواءً كان واقعا أو تنظيرا يرى لمسخ لعقيدة التوحيد ،والنقض لأوّل أركان الإسلام، فهلا ابتدأت يا صاحب الروحة بتحقيق الشهادتين والقيام بذلك، قبل التطاول إلى تلك المقامات العالية، فرحم الله من عرف قدر نفسه!
وليت الشيخ الوزير – صالح آل الشيخ- لما لقيك اشتغل بتعليمك الأصول الثلاثة قبل الخوض في شؤون الدعوة ومقاصد الشريعة!! إضافة إلى ذلك فإن الإحسان يتناول الإخلاص لله تعالى كما يتناول الإتيان بالفعل الحسن على وفق شرع الله تعالى، والتصوف قد أفسد الإخلاص، كما أخذت الابتداع.
إن صوفية الحقائق الإيمانية قد اندرست في هذه العصور، فلم تبق إلى صوفية الرسوم والمظاهر من أرباب العمائم والأكمام الواسعة وكذا صوفية الأرزاق الذين يأكلون أموال الأوقاف ويقتاتون من معونات الغرب!
- يسعى صاحب الروحة إلى تقديم (إسلام مريح) يهواه الغرب والأمريكان، ويستمتع به أرباب الشهوات المسعورة والفكر الموبؤ فآراء صاحب (الروحة) تستهدف (إراحة) الغرب وارضاءه، ولذا هرعت صحيفة الواشنطن بوست إلى لقياه وتلميعه
وعلماء السوء يتقوّلون بما يروق لأهواء العامة ويؤلفون حسب المقاصد الناس ومآربهم، على طريقة الواعظ الذي قيل: ما مذهبك؟ فقال: في أي مدينة؟ وقد ألف أحد الأطباء المعاصرين كتابا بعنوان: (أطفال تحت الطلب) لكن أولئك القالة تجاوزوا ذلك إذ هم فوق الطلب .
فالمرتد لا يقتل –عند ذاك الفقيه الشافعي – بحجة أن ذلك لم يذكر في القرآن!!
ولَمَز من طرف خفي –حديث ابن عباس مرفوعا-: (من بدل دينه فاقتلوه) أخرجه البخاري .
وهذا الشذوذ يتسق مع أهواء الغرب لا سيما بعد حادثة المرتد الأفغاني، وفدعق يستروح إلى قيادة المرأة للسيارة – في السعودية – ويؤيد ذلك، كما يستهويه كشف المرأة وجهها، وبعد أن ناقشه مقدم برنامج إضاءات – تركي الدخيل – قال المتفقه: (أنا أقول بالكشف وعدمه)!
ومن شذوذات صاحب الروحة أنه أجاز لمرضى العقم استنساخ أبناء من أنفسهم على غرار النعجة دوللي! وقد اتخذ مجمع الفقه الإسلامي بجده قرارا بمنع ذلك باتفاق أعضائه، واهمس في أذن فدعق منشدا قول الشاعر:
يقولون هذا عندنا غير جائز *** ومن أنتم حتى يكون لكم عند
- وبالجملة فإن صاحب الروحة – من خلال آرائه المتناثرة – ذو بضاعة مزجاة، فالهزال العلمي مكشوف، والهشاشة في الفقه بيّنة ظاهرة، حتى إن مقدم برنامج إضاءات أفحمه في مسائل شرعية (وصدق الشيخ محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله- إذ يقول :- (والعامي من الموحدين يغلب الألف من علماء هؤلاء)[14]
- ومع هذا الإفلاس، فالمذكور مصاب بداء اللمز والهمز لأهل السنة والجماعة، إضافة إلى تذبذب الرجل وتلونه، فصاحب (الروحة) يطالب بالوحدة، كما يطالب بالتعددية لأنها مصدر قوة للأمة على -حد زعمه – وعش رجبا ترى عجبا ولعل ذاك التلون هو سبب اللمعان والبروز، وكما قال ابو تمام :
تخرصا وأحاديثا ملفقة ً*** ليست بنبح إذا عدت ولا غرب
نسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ويثبت مطيعهم وبالله التوفيق.
الهوامش:
الهوامش:
[1] أخرجه البخاري، رقم: (2792)، ومسلم، رقم: (1880).
[2] صحيح مسلم بشرح النووي 13/26
[3] فتح الباري 6/14
[4] الاستقامة 1/268
[5] الاسلام والطاقات المعطلة، ص 38
[6] تأملات في الدين والحياة، ص 173
[7] انظر اسلام حضاري ديمقراطي لشيريل بينارد، ص 72
[8] انظر كتاب هذه مفاهيمنا لصالح آل الشيخ 104-112، ودعاوى المناوئين لدهوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لعبد العزيزآل عبد اللطيف، ص 253
[9] مفاهيم يجب أن تصحح للمالكي، ص 91
[10] المصدر السابق، ص 93
[11] انظرجامع الرسائل (قاعدة في المحبة) لا بن تيمية 2/ 227
[12] فتح الباري 12/ 78
[13] منهاج السنة النبوية 5/ 328، 329 باختصار
[14] كشف الشبهات، ص 39
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.