الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، ثم أما بعد؛ فإن كان يوم جمعة استحب الاغتسال، والتطيب، ولبس الجميل من الثياب، والتسوك والتبكير للجمعة .. وكل ذلك متفق عليه، والأخبار فيه متكاثرة.
وقد أخرج أحمد من طريق أبي الأشعث الصنعاني، حدثني أوس بن أوس الثقفي - رضي الله عنه - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من غسل يوم الجمعة واغتسل، ثم بكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها"[1]وإسناده صحيح، وهو يتضمن فضلاً عظيماً وثواباً جسيماً، وقد مكثت دهراً وأنا أعجب من هذا الفضل وألتمس هل لهذا الخبر من علة؟ فلم أقف له على تعليل مستقيم، فالحمد لله على وافر عطائه.
حكم الاغتسال يوم الجمعة
واختلف في حكم الغسل للجمعة، فقيل: واجب، وقيل: سنة، وقيل: واجب على من له ريح يتأذى به، سنة في غير ذلك. وهو أصح الأقوال، واختاره أبو العباس، قال في الفتاوى الكبرى: "ويجب غسل الجمعة على من له عرق أو ريح يتأذى به غيره وهو بعض من مذهب من يوجبه مطلقا بطريق الأولى[2].
وقال في مجموع الفتاوي ما نصه: وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "حق لله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام: يغسل رأسه وجسده" وهذا في أحد قولي العلماء هو غسل راتب مسنون للنظافة في كل أسبوع، وإن لم يشهد الجمعة، بحيث يفعله من لا جمعة عليه. وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – "على كل رجل مسلم في كل سبعة أيام غسل يوم وهو يوم الجمعة"[3].
فإن دخل المسجد استحب له أن يصلي ما شاء حتى خروج الإمام، ولا وقت للنهي عن الصلاة منتصف النهار يوم الجمعة على الصحيح من أقوال أهل العلم.
قال ابن القيم في الهدي في ذكر خصائص يوم الجمعة ما نصه: "الحادية عشرة: أنه لا يكره فعل الصلاة فيه وقت الزوال عند الشافعي رحمه الله ومن وافقه، وهو اختيار شيخنا أبي العباس ابن تيمية، ولم يكن اعتماده على حديث ليث عن مجاهد عن أبي الخليل عن أبي قتادة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنه كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة"، وقال: "إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة" وإنما كان اعتماده على أن من جاء إلى الجمعة يستحب له أن يصلي حتى يخرج الإمام، وفي الحديث الصحيح "لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج، فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى" رواه البخاري، فندبه إلى الصلاة ما كتب له، ولم يمنعه عنها إلا في وقت خروج الإمام، ولهذا قال غير واحد من السلف، منهم عمر بن الخطاب - صلى الله عليه وسلم - وتبعه عليه الإمام أحمد بن حنبل: "خروج الإمام يمنع الصلاة وخطبته تمنع الكلام"، فجعلوا المانع من الصلاة خروج الإمام لا انتصاف النهار.
وأيضا فإن الناس يكونون في المسجد تحت السقوف، ولا يشعرون بوقت الزوال، والرجل يكون متشاغلا بالصلاة لا يدري بوقت الزوال، ولا يمكنه أن يخرج، ويتخطى رقاب الناس، وينظر إلى الشمس ويرجع، ولا يشرع له ذلك.
وحديث أبي قتادة هذا، قال أبو داود: هو مرسل؛ لأن أبا الخليل لم يسمع من أبي قتادة، والمرسل إذا اتصل به عمل، وعضده قياس، أو قول صحابي، أو كان مرسله معروفا باختيار الشيوخ ورغبته عن الرواية عن الضعفاء والمتروكين ونحو ذلك مما يقتضي قوته - عمل به.
وأيضا فقد عضده شواهد أخر منها ما ذكره الشافعي في كتابه فقال: روي عن إسحاق بن عبد الله، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة" هكذا رواه رحمه الله في كتاب اختلاف الحديث، ورواه في كتاب الجمعة: حدثنا إبراهيم بن محمد، عن إسحاق..، ورواه أبو خالد الأحمر عن شيخ من أهل المدينة يقال له: عبد الله بن سعيد المقبري، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد رواه البيهقي في المعرفة من حديث عطاء بن عجلان عن أبي نضرة، عن أبي سعيد وأبي هريرة - رضي الله عنهما - قالا: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة".
ولكن إسناده فيه من لا يحتج به، قاله البيهقي قال: ولكن إذا انضمت هذه الأحاديث إلى حديث أبي قتادة أحدثت بعض القوة.
قال الشافعي: من شأن الناس التهجير إلى الجمعة والصلاة إلى خروج الإمام، قال البيهقي: الذي أشار إليه الشافعي موجود في الأحاديث الصحيحة، وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رغب في التبكير إلى الجمعة، وفي الصلاة إلى خروج الإمام من غير استثناء، وذلك يوافق هذه الأحاديث التي أبيحت فيها الصلاة نصف النهار يوم الجمعة، وروينا الرخصة في ذلك عن عطاء وطاووس والحسن ومكحول.
قلت: اختلف الناس في كراهة الصلاة نصف النهار على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه ليس وقت كراهة بحال، وهو مذهب مالك.
الثاني: أنه وقت كراهة في يوم الجمعة وغيرها، وهو مذهب أبي حنيفة، والمشهور من مذهب أحمد.
والثالث: أنه وقت كراهة إلا يوم الجمعة، فليس بوقت كراهة، وهذا مذهب الشافعي[4].
وقال ابن رجب في شرح البخاري ما نصه: "وقد ذكر مالك في الموطأ عن الزهري، عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي، أنهم كانوا في زمن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يصلون حتى يخرج عمر ويجلس على المنبر، فإذا خرج عمر وجلس على المنبر وأذن المؤذنون جلسوا يتحدثون، فإذا اسكت المؤذن وقام عمر سكتوا ولم يتكلم أحد.
وهذا تصريح باستمرارهم في الصلاة إلى ما بعد زوال الشمس، وهو مما يستدل به على الصلاة وقت استواء الشمس وقيامها يوم الجمعة"[5] .
وقال في التمهيد: "وقال أبو يوسف والشافعي وأصحابه: لا بأس بالتطوع نصف النهار يوم الجمعة خاصة، وهي رواية عن الأوزاعي وأهل الشام.
وحجة الشافعي ومن قال بقوله هذا: ما رواه الشافعي عن إبراهيم بن محمد عن إسحق بن عبد الله عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة".
ولكن إسناده فيه من لا يحتج به، قاله البيهقي قال: ولكن إذا انضمت هذه الأحاديث إلى حديث أبي قتادة أحدثت بعض القوة.
قال الشافعي: من شأن الناس التهجير إلى الجمعة والصلاة إلى خروج الإمام، قال البيهقي: الذي أشار إليه الشافعي موجود في الأحاديث الصحيحة، وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رغب في التبكير إلى الجمعة، وفي الصلاة إلى خروج الإمام من غير استثناء، وذلك يوافق هذه الأحاديث التي أبيحت فيها الصلاة نصف النهار يوم الجمعة، وروينا الرخصة في ذلك عن عطاء وطاووس والحسن ومكحول.
قلت: اختلف الناس في كراهة الصلاة نصف النهار على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه ليس وقت كراهة بحال، وهو مذهب مالك.
الثاني: أنه وقت كراهة في يوم الجمعة وغيرها، وهو مذهب أبي حنيفة، والمشهور من مذهب أحمد.
والثالث: أنه وقت كراهة إلا يوم الجمعة، فليس بوقت كراهة، وهذا مذهب الشافعي[6].
واحتج أيضا بحديث مالك عن ابن شهاب عن ثعلبة بن أبي مالك، وقد تقدم ذكره، قال: وخبر ثعلبة عن عامة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دار الهجرة- أنهم كانوا يصلون نصف النهار يوم الجمعة.
قال أبو عمر: كأنه يقول النهي عن الصلاة عند استواء الشمس صحيح، وخص منه يوم الجمعة بما روي من العمل الذي لا يكون مثله إلا توقيفا، وبالخبر المذكور أيضا، وبقي سائر الأيام موقوفة على النهي.
وإبراهيم بن محمد الذي روى عنه الشافعي هذا الخبر: هو ابن أبي يحيى المدني متروك الحديث، وإسحق بعده في الإسناد - وهو ابن أبي فروة - ضعيف أيضا، فكأنه إنما يقوى عنده هذا الخبر بما روي عن الصحابة في زمن عمر - رضي الله عنه - من الصلاة نصف النهار يوم الجمعة وبالله التوفيق "[7]
قال أبو محمد: والأمر في هذا ظاهر بحمد الله.
جواز السفر يوم الجمعة ما لم تزل الشمس أو يؤذن الأذان الذي بعده الخطبة
ويوم الجمعة كغيره من الأيام في جواز السفر فيه قبل أن تزول الشمس، أو يؤذن المؤذن الذي يلي أذانه الخطبة في قول أكثر أهل العلم، فإن زالت الشمس أو أذن للصلاة فلا يجوز حينئذ السفر، ويجب عليه حضور الجمعة؛ لتوجه الخطاب إليه في قوله جل وعلا {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9 ].
الأولى: أن يكون مضطرا إلى السفر وتحصل له مشقة إذا ترك السفر.
الثانية: أن يسافر، لكن سيشهد الجمعة في طريقه.
الصورة الثالثة: إذا خاف فوت رفقة، وفي عصرنا كخوف فوت الطائرة التي يسافر عليها.
لا تجب على المسافر جمعة ولو كان في مصر
ولا يجب على المسافر حضور الجمعة، بل يصليها ظهراً مقصورةً، حتى لو كان في مصر يسمع الأذان.
الهوامش:
[1] مسند أحمد (16172)، وأخرجه ابن أبي شيبة (2/ 93)، وأبو داود (345)، وابن ماجه (1087)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1573)، والطبراني في الكبير (585)، والبيهقي في (3/ 229)، والبغوي في شرح السنة (1065)، وابن حبان (2781)، والحاكم (1/ 282) .. وغيرهم من طرق عن أبي الأشعث به.
[2] الفتاوى الكبرى(21/307).
[3] مجموع الفتاوى(21/307).
[4] زاد المعاد(1/366).
[5] فتح الباري لابن رجب(8/332).
[6] زاد المعاد(1/366).
[7] التمهيد(4/19).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.