الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد؛ الخوفُ هو من مادة (خ و ف)، التي تدل على الذُعر والفزع في اللغة العربية، ويضاده الأمن، وهو حالة يشعر فيها الإنسان توقع حلول مكروه أو فوات محبوب في الدنيا والآخرة.
التعريف اللغوي:
قال ابن فارس: (الخاء والواو والفاء أصلٌ واحد، يدل على الذعر والفزع، يُقال خِفت الشيء خوفًا وخيفة، والياء مبدَلة من واو لمكان الكسرة، ويُقال: خاوفني فلانٌ فَخِفْتُه، أي كنتُ أشد خوفًا منه)([1]).
وقال الراغب: (الخوفُ توقع مكروه من أمارة مظنونة أو معلومة، ويضاد الخوفَ الأمنُ، ويُستعمل في الأمور الدنيوية والأخروية؛ قال تعالى: {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [الإسراء:57]، وقال تعالى: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنعام:81].
و"الخيفة": الحال التي يكون الإنسان عليها من الخوف؛ قال تعالى: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى} [طه: 67]، واستعمل استعمال الخوفي قوله: {وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} [الرعد: 13]، وقوله: {تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [الروم: 28])([2]).
وقال المناوي - رحمه الله -: (الخوفُ توقعُ مكروهٍ أو فوتُ محبوبٍ)([3]).
وقال القرطبي - رحمه الله -: (والخوفُ في كلامِ العربِ: الذعر، وخاوفني فلانٌ فَخِفْتُه أي: كنتُ أشد خوفًا منه، والخوفاء: المفازة لا ماء بها، ويُقال: ناقة خوفاء وهي الجرباء)([4]).
قال الجرجاني: (الخوف: توقع حلول مكروه أو فوات محبوب)([5]).
التعريف الشرعي:
لقد عُرِّفَ الخوف بتعريفات كثيرة؛ منها قول الجنيد: (الخوفُ توقعُ العقوبة على مجاري الأنفاس)([6]).
وعَرَّفَ الغزالي الخوفَ بأنه: (عبارة عن تألم القلبِ واحتراقه بسببِ توقع مكروهٍ في الاستقبال)([7]).
وعرفه الجرجاني بأنه: (توقع حلول مكروه أو فوات محبوب)([8]).
وقال شيخ الإسلام - رحمه الله -: (الخوفُ المحمودُ ما حجزك عن محارمِ اللهِ)([9]).
وقال ابن القيم - رحمه الله -: (الخوفُ المحمود الصادق: ما حالَ بين صاحبِه وبين محارمِ اللهِ U، فإذا تجاوز ذلك خيفَ منه اليأس والقنوط)([10]).
وقال صاحبُ تفسير التحرير والتنوير([11]) بأن الخوف: (توقع حصول ما تكرهه النفس، وهو ضد الأمن، ويُطلق على أثره، وهو السعي في مرضاة المخوف منه - وهو الله سبحانه وتعالى عند جميع المسلمين - وامتثال أوامره)([12]).
وقد وردت أقوالٌ أخرى في تصوير معنى الخوف؛ منها: (أنه مطالعة الوعيد وما أعد اللهُ لمن آثر الدنيا على الآخرة، والمخلوق على الخالق، والهوى على الهدى، والغي على الرشاد)([13]).
وقد تَقَدَّم عن الراغب أنه عَرَّفَ الخوفَ بأنه: (توقع مكروه من أمارةٍ مظنونة أو معلومة)، وقال صاحبُ المنازل: (الخوفُ هو الانخلاعُ عن طمأنينةِ الأمنِ بمطالعةِ الخبر)([14]).
وقيل: (هو اضطرابُ القلبِ وحركته من تذكر المخوف، وهو هربُ القلبِ من حلولِ المكروهِ عند استشعارِه)([15]).
ومن هذه التعريفات يمكن تلخيص تعريف الخوف بأنه: الحالة النفسية التي تحول دون ارتكاب السيئات أو الخوض في المحرمات، مع جعلِ إرضاءِ اللهِ سبحانه وتعالى الغايةَ التي يسعى إليها([16]).
وقد ورد في القرآن الخوفُ على خمسة وجوه:
الأَوَّل: بمعنى القتل والهزيمة؛ {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ} [النساء: 83]، {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ} [البقرة: 155] أي: القتل.
الثاني: بمعنى الحرب والقتال؛ {فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} [الأحزاب: 19]، أي: إِذا انجلى الحرب، {فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ} [الأحزاب: 19] أي: الحرب.
الثالث: بمعنى العلم والدّراية؛ {فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا} [البقرة: 182] أي: عِلم، {إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ} [البقرة: 229] أي: يعلما، {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي اليتامى} [النساء: 3] أي: علمتم.
الرَّابع: بمعنى النقص؛ {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} [النحل: 47] أي: تنقُّص.
الخامس: بمعني الرُّعب والخشية من العذاب والعقوبة؛ {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [السجدة: 16]([17]).
وبالنظر في التعريفات المذكورة يُلحظ اتفاقها على: أن الخوف ينتج عن توقع أمر يعود بالضرر على الإنسان، والحقيقة أن الخوف لا يقتصر على ما سيحدث مستقبلًا، وإنما أيضًا ما يحصل في العاجل، ومن هنا أُعَرِّفُ الخوفَ فأقول: الخوفُ هو اضطرابُ القلبِ وتألمه، نتيجةَ حدوث مكروه في الحال، أو توقع حدوثه في المستقبل، وخروجٌ من طمأنينةِ الأمنِ نتيجة المخوف.
الهوامش:
الهوامش:
([1]) انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي، ص(1045-1046)، ولسان العرب، ابن منظور، (2/179-180)، ومعجم مقاييس اللغة، ابن فارس، ص(317).
([3]) التوقيف على مهمات التعاريف، محمد عبد الرؤوف المناوي، (1/328)، دار الفكر المعاصر، دار الفكر - بيروت، دمشق، الطبعة الأولى، 1410هـ، تحقيق: د.محمد رضوان الداي.
([5]) التعريفات، علي بن محمد بن علي الجرجاني، (1/137)، دار الكتاب العربي - بيروت، الطبعة الأولى، 1405هـ، تحقيق: إبراهيم الأبياري.
([11]) هو محمد بن طاهر بن عاشور، رئيس المفتين المالكيين بتونس، وشيخ جامع الزيتونة بها، وُلد سنة 1296 هجرية، وتُوفي سنة 1393هـ، انظر: الأعلام، الزركلي، (6/174).
([15]) طريق المساكين إلى مرضاةَ رَبِّ العالمين، عمر بن عبد الله كامل، بيروت لبنان، دار ابن حزم، ط1، 1423هـ، 2002م، ص(34).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.