الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم؛ ثم أما بعد، سئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: عن من يصلي التراويح بعد المغرب: هل هو سنة أم بدعة؟ وذكروا أن الإمام الشافعي – رحمه الله – صلاها بعد المغرب ، وتممها بعد العشاء الآخرة؟ .
فأجاب -رحمة الله– (الحمد لله رب العالمين. السنة في التراويح أن تصلى بعد العشاء الآخر، كما اتفق على ذلك السلف والأئمة. والنقل المذكور عن الشافعي-رحمة الله- باطل، فما كان الأئمة يصلونها إلا بعد العشاء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد خلفائه الراشدين، وعلى ذلك أئمة المسلمين، لا يعرف عن أحد أنه تعمد صلاتها قبل العشاء ، فإن هذه تسمى قيام رمضان ،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الله فرض عليكم صيام رمضان ، وسننت لكم قيامه ، فمن صامه وقامه غفر له ما تقدم من ذنبه))[1] .وقيام الليل في رمضان وغيره إنما يكون بعد العشاء ، وقد جاء مصرحاً به في السنن (( أنه لما صلى بهم قيام رمضان صلى بعد العشاء ))[2] .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قيامه بالليل هو وتره ، يصلي بالليل في رمضان وغير رمضان إحدى عشرة ركعة ، أو ثلاث عشرة ركعة ، لكن كان يصليها طوالاً ، فلما كان ذلك يشق على الناس قام بهم أُبي بن كعب في زمن عمر بن الخطاب عشرين ركعة ، يوتر بعدها ، ويخفف فيها القيام ، فكان تضعيف العدد عوضاً عن طول القيام ، وكان بعض السلف يقوم أربعين ركعة فيكون قيامها أخف ، ويوتر بعدها بثلاث ، وكان بعضهم يقوم بست وثلاثين ركعة يوتر بعدها ، وقيامهم المعروف عنهم بعد العشاء الآخر ..... فمن صلاه قبل العشاء فقد سلك سبيل المبتدعة المخالفين للسنة ، والله أعلم ) ا.هـ[3] .
[1] - رواه أحمد في مسنده (1/191) . ورواه النسائي في سننه (4/158)، باب ثواب من قام رمضان وصامه إيماناً واحتساباً . ورواه ابن ماجه في سننه (1/421) كتاب إقامة الصلاة ، حديث رقم (1328) . ورواه ابن خزيمة في صحيحه (3/335) حديث رقم (2201) . وقال : ( أما خبر من صامه وقامه إلى آخر الخبر فمشهور من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة ، ثابت لاشك فيه ، ولا ارتياب في ثبوته أول الكلام ، وأما الذي يكره ذكره النضر بن شيبان عن أبي سلمة عن أبيه ، فهذه اللفظة معناها صحيح من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لا بهذا الإسناد ، فإني خائف أن يكون هذا الإسناد وهماً ، أخاف أن يكون أبو سلمة لم يسمع من أبيه شيئاً ، وهذا الخبر لم يروه عن أبي سلمة أحد أعلمه غير النضر بن شيبان ) ا.هـ . وقال البنا في الفتح الرباني (9/245): وفي إسناده النضر بن شيبان وهو :ضعيف ، قلت : قال ابن حجر في التقريب : النضر بن شيبان الحداني لين الحديث ........ يراجع : تقريب التهذيب (2/301) ترجمة رقم (88) .
[2] - لم أقف عليه فيما اطلعت عليه من كتب الحديث ، ولكن عموم بعض الأحاديث الواردة في صلاة التراويح تدل على أنها كانت بعد صلاة العشاء كما في حديث أبي ذر المتقدم في هذا الكتاب .
[3] - يراجع : مجموع الفتاوى ص(23/119-121) .
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.