الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم؛ ثم أما بعد، فعل ذلك ابتداعاً بعض أئمة المساجد الجهال مستشهداً بحديث لا أصل له عند أهل الحديث، ولا دليل فيه أيضاً، إنما يروى موقوفاً على علي وابن عباس، وذكره بعض المفسرين مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم في فضل سورة الأنعام بإسناد مظلم عن أبي بن كعب -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((نزلت سورة الأنعام جملة واحدة يشيعها سبعون ألف ملك، لهم زجل بالتسبيح والتحميد))[1]. فاغتر بذلك من سمعه من عوام المصلين. وعلى فرض صحة الحديث فليس فيه دلالة على استحباب قراءتها في ركعة واحدة، بل هي من جملة سور القرآن، فيستحب فيها ما يستحب في سائر السور، والأفضل لمن استفتح سورة في الصلاة وغيرها أن لا يقطعها بل يتمها إلى آخرها، وهذه كانت عادة السلف[2].
قراءة سورة الأنعام كلها في ركعة واحدة في صلاة التراويح بدعة، ليس من جهة قرائتها كلها، بل من وجوه أخرى :
الأول : تخصيص ذلك بسورة الأنعام دون غيرها من السور، فيوهم ذلك أن هذا هو السنة فيها دون غيرها، والأمر بخلاف ذلك.
الثاني : تخصيص ذلك بصلاة التراويح دون غيرها من الصلاة، وبالركعة الأخيرة منها دون ما قبلها من الركعات.
الثالث : ما فيه من التطويل على المأمومين، ولاسيما من يجهل أن ذلك من عادتهم، فينشب في تلك الركعة، فيقلق ويضجر ويتسخط بالعبادة.
الرابع : ما فيه من مخالفة السنة من تقليل القراءة في الركعة الثانية عن الأولى، فقد ثبت في الصحيحين (( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الأولى، ويقصر في الثانية، ويسمع الآية أحياناً..... وكان يطول في الركعة الأولى من صلاة الصبح ويقصر في الثانية ))[3].
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمة الله- عن تلك البدعة فأجاب – رحمة الله – ( نعم بدعة، فإنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة والتابعين، ولا غيرهم من الأئمة أنهم تحروا ذلك، وإنما عمدة من يفعله ما نقل عن مجاهد وغيره من أن سورة الأنعام نزلت جملة مشيعة بسبعين ألف ملك فاقرأوها جملة لأنها نزلت جملة، وهذا استدلال ضعيف، وفي قرائتها جملة من الوجوه المكروهة أمور منها : أن فاعل ذلك يطول الركعة الثانية من الصلاة على الأولى تطويلاً فاحشاً والسنة تطويل الأولى على الثانية كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنها : تطويل آخر قيام الليل على أوله. وهو بخلاف السنة، فإنه كان يطول أوائل ما كان يصليه من الركعات على أواخرها، والله أعلم)[4].ا.هـ.
[1] - قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/19، 20). ورواه الطبراني في الصغير وفيه يوسف بن عطية الصفار وهو ضعيف.ا.هـ. قلت : قال ابن حجر في التقريب (2/381) متروك. وروى الحاكم في المستدرك (2/314، 315) كتاب التفسير، عن جابر – رضي الله عنه –( لقد شيع هذه السورة من الملائكة ما سد الأفق ). وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم. قال الذهبي : وأظن هذا موضوعاً.
[2] - يراجع : الباعث لأبي شامة ص(82، 83).
[3] - رواه البخاري في صحيحه المطبوع مع فتح الباري (2/243) كتاب الأذان حديث رقم(759). ورواه مسلم في صحيحه (1/ 333) كتاب الصلاة،حديث رقم (451).
[4] - يراجع : مجموع الفتاوى ص(23/121).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.