الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ما من ريب أن الصلاة على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم من أفضل القربات، وقد أمر اللهُ تعالى عبادَه المؤمنين بذلك؛ فقال سبحانه في مُحكم التنزيل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
والأحاديث في فضلها والأمر بها أكثر من أن تُحصر، وأشهر من أن تُذكر، ولكن لا بأس بذكر أحرفٍ منها تنبيهًا على ما سواها؛ ومنها: حديثُ عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أنه سمع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى اللهُ عليه بها عشرًا))([1])، وغير ذلك من الأحاديث الواردة في هذا الباب.
بل قد أفرد جمعٌ من العلماء مصنفات مستقلة، ما بين الكتب المسندة التي تُروى بالإسناد، وغير المسندة، في بيان فضل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أَنْفَسِ وأهم الكتب المصنفة في هذا كتاب "جلاء الأفهام في فضلِ الصلاةِ والسلامِ على خيرِ الأنامِ صلى الله عليه وسلم"، للإمام ابن القيم - رحمه الله - وهو مطبوع ومتداول.
وقد بيَّن النبيُّ صلى الله عليه وسلم صفةَ الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وألفاظها أتمَّ البيان، بحيث لا يدع مجالًا لأحدٍ بعد أن يأتي بألفاظٍ جديدة وصيغٍ مُحدثة؛ فعن أبي محمد كعب بن عجزة رضي الله عنه، قال: ((سَأَلْنَا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقلنا: يا رسول اللهِ، كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟ فإنَّ اللهَ قدْ عَلَّمَنَا كيف نُسلمُ، قال: قولوا اللهمَّ صلِّ على محمدٍ، وعلى آلِ محمدٍ، كما صليتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ، إنك حميدٌ مجيدٌ، اللهمَّ باركْ على محمدٍ، وعلى آلِ محمدٍ، كما باركتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ، إنك حميدٌ مجيدٌ، والسلامُ كما قدْ عَلِمْتُم))([2]).
وعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: ((قالوا: يا رسول اللهِ، كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا اللهمَّ صلِّ على محمدٍ، وعلى أزواجِه وذريتِه، كما صليتَ على آلِ إبراهيمَ، وباركْ على محمدٍ، وعلى أزواجِه وذريتِه، كما باركتَ على آلِ إبراهيمَ، إنك حميدٌ مجيدٌ))([3]).
واستدلَّ بتعليم النبي صلى الله عليه وسلم هذه الصيغ لأصحابه رضي الله عنهم، بعد سؤالهم عنها على أنها أفضل كيفيات الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، لأنه لا يختار لنفسه إلا الأشرف والأفضل([4])، كما يدل أيضًا على ضرورة التقيد بالصيغ النبوية في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وعدم الإحداث في ذلك، لأن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عبادة، والعبادة مبناها على التوقيف والاتباع، كما تقدم.
قال الحافظ ابن حجر - مُبينًا الباعث الذي حمل الصحابة رضي الله عنهم على سؤال كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم - قال: (والحاملُ لهم على ذلك أنَّ السلامَ لمَّا تقدَّمَ بلفظٍ مخصوصٍ - وهو السلامُ عليك أيها النبي ورحمةُ اللهِ وبركاتُه -؛ فهموا منه أن الصلاةَ أيضًا تقعُ بلفظٍ مخصوصٍ، وعدلوا عن القياسِ لإمكانِ الوقوفِ على النصِّ، ولا سيما في ألفاظِ الأذكارِ، فإنها تجيءُ خارجةً عن القياسِ غالبًا، فوقعَ الأمرُ كما فهموا، فإنه لمْ يقُلْ لهم: قولوا الصلاة عليك أيها النبي ورحمة اللهِ وبركاته، ولا قالوا: الصلاةُ والسلامُ عليك ... إلخ، بل علَّمهم صيغةً أخرى)([5]).
قلتُ: فهذا مما يدل على أن ألفاظ الأذكار توقيفية، لا مجال للرأي والقياس فيها - كما تقدم تقرير ذلك -، ومن ذلك صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فعلى المسلم الذي أراد السلامة والفلاح والنجاة أن يتقيد بالألفاظ الشرعية والصيغ النبوية ويحافظ عليها، ولا يَعْدُ عنها إلى غيرها من الألفاظ المبتدعة، والكيفيات المُحدثة.
وعلى الرغم من ذلك؛ إلا أن أهل البدع والأهواء - وخاصة أصحاب الطرق الصوفية - لم يكتفوا بالألفاظ الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل أحدثوا فيها صيغًا جديدة وألفاظًا مبتدعة، ووضعوا فيها أحاديث كثيرة موضوعة، بل كتبوا مجلدات في الصلوات المُحدثة، ورتَّبوا على ذلك من الأجور ما لم يُرَتَّبْ على الصيغ النبوية، فكأن صيغتهم المبتدعة أفضل من الصيغ النبوية، لأنها أعظم أجرًا، بل لا تقاربها في الفضل – كما زعموا -.
([1]) رواه مسلم، كتاب الصلاة، (384)، ومثله حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - رواه مسلم، كتاب الصلاة، (408).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.