إن الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛
فمن الصلوات المبتدعة التي اخترعها الصوفية والتي أحدثوها بمحض الهوى والاجتهاد السقيم، وهي أيضًا من بدع المتصوفة التي أحدثوها بمحض الهوى والاجتهاد السقيم.
وهي عندهم ركعتان، تصليان فيما بين سنة العشاء والوتر، يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة سورة الإخلاص عشر مرات، ويقول بعد السلام: يا فتاح، مائة مرة.
وقد ذكرها عنهم اللكنوي، وأشار الشيخ بكر أبو زيد إلى بدعيتها[1].
ومن تسمية هذه اللصلاة يتبين المقصود من فعلها؛ إذ يريدون بها تحصيل السعادة في الدنيا والآخرة! وما علموا أن السعادة في الدارين لا يمكن أن تتأتى بالمخالفة الشرعية، والتي من أشدها إثمًا إحداث بدعة في الدين، وتشريع سقيم بعقول جاهلة ظالمة.
إن الله تكفل بسعادة الدارين لمن حقق شرطين أثنين لا ثالث لهما، وهما: الإيمان، والعمل الصالح، حيث قال سبحانه وتعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].
قال ابن القيم: " فهذا خبر أصدق الصادقين، ومخبره عند أهله عين اليقين، بل حق اليقين؛ فلا بد لكل من عمل صالحا وهو مؤمن[2] أن يحييه الله حياة طيبة بحسب إيمانه وعمله.
ولكن يغلط الجفاة الأجلاف في مسمى الحياة الطيبة، حيث يظنونها التنعم بأنواع المآكل والمشارب والملابس والمناكح، أو لذة الرياسة والمال وقهر الأعداء والتفنن بأنواع الشهوات؛ ولا ريب أن هذه لذة مشتركة بين البهائم، بل قد يكون حظ كثير من البهائم منها أكثر من حظ الإنسان؛ فمن لم يكن عنده لذة إلا اللذة التي تشاركه فيها السباع والدواب والأنعام فذلك ممن ينادى من مكان بعيد[3].
ولكن أين هذه اللذة من اللذة بأمر إذا خالط بشاشته القلوب سلا عن الأبناء والنساء، والأوطان والأموال، والإخوان والمساكن، ورضي بتركها كلها والخروج منها رأسا، وعرض نفسه لأنواع المكاره والمشاق، وهو متحمل لهذا [4]، منشرح المصدر به، يطيب له قتل ابنه وأبيه وصاحبته وأخيه، لا تأخذه في ذلك لومة لائم.
حتى إن أحدهم[5] ليتلقى الرمح بصدره وهو يقول: "فزت ورب الكعبة".
ويستطيل الآخر[6] حياته حتى يلقي قوته من يده، ويقول: "إنها لحياة طويلة إن صبرت حتى آكلها"، ثم يتقدم إلى الموت فرحا مسرورا.
ويقول الآخر [7] - مع فقره-: "لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن عليه لجالدونا عليه بالسيوف".
ويقول الآخر[8]: "إنه لتمر بالقلب أوقات يرقص فيها طربا".
وقال بعض العارفين[9]: "إنه لتمر بي أوقات، أقول فيها: إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب[10]"[11].
الهوامش:
[1] الآثار المرفوعة، ص 108، وأنظر: التحديث، ص74.
[2] "وهو مؤمن" ساقطة من (ت، ق).
[3] قال الفراء في "معاني القرآن" (3/ 20): "تقول للرجل الذي لا يفهم قولك: أنت تنادى من مكان بعيد. وتقول للفهم: إنك لتأخذ الشيء من قريب".
وانظر: "معاني القرآن" للنحاس (6/ 281).
[4] غير محررة في (د، ت). (ق): "مستحل بهذا". (ن): "متحمل بهذا".
[5] هو حرام بن ملحان رضي الله عنه. أخرجه البخاري (4092)، ومسلم (677).
[6] هو عمير بن الحمام رضي الله عنه. أخرج خبره مسلم (1901).
[7] هو إبراهيم بن أدهم. أخرج قوله أبو نعيم في "الحلية" (7/ 370)، والبيهقي في "الزهد" (80)، وغيرهما.
[8] هو أبو سليمان الداراني. في "البداية والنهاية" (14/ 152). وانظر: "تاريخ دمشق" (34/ 147).
[9] هو أبو سليمان الداراني.
[10] وفي (ح): "إنهم لفي النعيم". وفي (ن): "لفي أنعم عيش".
[11] مفتاح دار السعادة، ابن القيم، 1/182.
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.