عبد الظاهر بن محمد نور الدين أبو السمح، العالم الأزهري، أحد كبار أئمة الدعوة إلى السنة في مصر، والإمام والمدرس بالحرم المكي، كم من مرةٍ أُعتدي عليه بسببِ أنه استنار بالحق فأناره لأهل الدنيا قاطبة، ما زال مسجده يشهد تلك الهجمات الجبانة التي لا تقوى على مهاجمة إلا وهو إمام قائم يصلي بالناس، فإذا صلى كأنه ارتحل من الدنيا إلى دار الآخرة.
ولد رحمه الله ببلدة (تلين) بمصر، في عام 1300هـ، من عائلة عُرفت باهتمامها بالقرآن وحفظته وتعليمه، فأتم حفظه على يد والده في التاسعة من عمره، ثم التحق بالأزهر فقرأ الروايات السبع، وزادت همته في حفظ السنة، واهتم بالتفسير والفقه واللغة وغيرها ..
وكان يحضر مجلس الشيخ محمد عبده وهو صغير السن ..
وبعد سنين من طلبه للعلم اتصل بعلامة شنقيط العالم محمد أمين الشنقيطي رحمه الله فلامس الحق قلبه فاستنار به إلى العقيدة السلفية، فعكف على دراسة كتب ابن تيمية وابن القيم وغيرهما .. فعاد إلى الحق وتابع الدليل، وساعده في ذلك طلبه للقرآن والسنة، ونفسه المتجردة للحق ..
وقد عمل بمدرسة بالسويس، ثم عاد للقاهرة وطلب العلم بمدرسة درا الدعوة، ثم عين مدرساً بالإسكندرية .. وهناك .. قام يدعو إلى الله، ينير الظلمات، ويهدم بناء الأوهام، ويحرر الإنسان من عبادة العبيد إلى عبادة رب العبيد، فانقض على دعاة الشرك وأبطل شركهم، وناظر أهل البدع فانحسرت بدعهم، وناصر أهل السنة وعلت رايتهم، وكانت دعوته سبباً في رفع الجهل عن الناس، فرفع عن السدنة المسترزقين بالشرك سحتهم، وقل عدد الزوارين للمشاهد، وكثر المصلين في المساجد، وهجرت بالشرك معابد، ورفعت راية التوحيد، وكان المؤسس لأنصار السنة المحمدية بالإسكندرية ..
وهذا الجهد لابد له من مقابل، فكان المقابل إيذاءً كبيراً .. وكان من أكبرها أن اعتدي عليه وهو يؤم المصلين في المسجد، وهؤلاء هم أهل سدنة المشاهد والقبور، من الصوفية ومن نحى نحوهم، لا حرمة لبيوت الله، أو للوقوف بين يدي الله، وكان السبب ما سبق من جهده وجهاده، وفضحه لحقيقة الصوفية، وسدنة المشاهد والمزارات الشركية، وإبطاله للعقيدة الأشعرية، وهو بهنَّ عالم خبير، كان فيها رأسٌ كبير، فهداه الهادي القدير، وكفاه شر المؤامرات وسوء التدبير، وإن كيد الباطل كان زهوقاً ..
وكان ممن استنار بمناظراته، وجهاده ودعوته، عددٌ كبير من مشايخ الأزهر، ومن أبرزهم العالم الأزهري، من آل بيت النبي عليه الصلاة والسلام، المُحَدِث محمد عبد الرزاق حمزة .. على إثر مناظرات قامت فترة من الزمن كان الحق هاديهم، والدليل سيدهم، فاستنار الشيخ محمد بعد تلك المناظرات ..
وبعد هذا الجهد الكبير، عرفته الدنيا، وعرفت به كعالم ناصح، ومناظر منافح، لا يشق له غبار، وما وقف أمامه طالب حق إلا وبمناظرته استنار، وما جادله مبطل إلا أفاق وباطله في انحسار .. فطلب ليكون إماماً للحرم المكي، ومدرساً به وبدار الحديث بمكة المكرمة .. فأجاب الدعوة، وكان سنده وعضيده تلميذه وصاحبه وصهره الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة، فأخرجا جيلاً من العلماء العاملين، واهتدى على يديهما عدد كبير من الطلبة التائهين، في الشرك أو البدعة .. وما زال ينشر الحق ويبطل الباطل بتدريسه وتأليف: وقد ألف عدد من الرسائل منها:
1- الرسالة المكية في الرد على الرسالة الرملية.
2- حياة القلوب بدعاء علام الغيوب
3- الأولياء.
4- الكرامات.
ولقد كان ممن أسس جماعة أنصار السنة المحمدية بمصر، ومن أسس دار الحديث بمكة المكرمة.
وما زال على هذا المنوال حتى توفاه الله بمصر عام 1370هـ، غفر الله له ورحمه، ورفع منزلته في عليين، وأختم بهذه الأبيات من نونيته والتي ختمها بشكر النعمة حيث أنشد قائلاً:
حمداً لربي إذ هداني منّة *** منه وكنت على شفا النيران
والله لو أن الجوارح كلها *** شكرتك يا ربي مدى الأزمان
ما كنت إلا عاجزاً ومقصراً *** في جنب شكرك صاحب الإحسان
أيدتني ونصرتني وحفظتني *** من كل ذي حقد وذي شنآن
وجذلت أعدائي ولم تتركهمو *** يمضون في الإيـذاء والعدوان
أورثتني الذكر الحكيم تفضيلا *** ورزقتني نعمى بلا حسبان
ورفعت ذكري إذا أرادوا خفضه *** وأعدتني لأشرف الأوطان
وأقمتني بين الحطيم وزمزم *** للمتقين أؤمهم بمثان
أكرمتني وهديتني وهديت بي *** ما شئت من ضال ومن حيران
أعليك يعترض الحسود إلهنا *** وهو الكنود وأنت ذو إحسان
وهو الظلوم وأنت أعدل عادل *** حاشاك من ظلم ومن طغيان
لولا عطاؤك لم أكن أهلاً لذا *** كلا وما إن كان في الإمكان
فأتم نعمتك التي أنعمتها *** يا خير مدعو بكل لسان
واختم لعبدك بالسعادة إنه *** يرجوك في سرٍ وفي إعلان
وأبحْه جنات النعيم ورؤية *** الوجه الكريم بها مع الأخوان
وانصر أخا التوحيد سيَّد يعرب *** عبد العزيز على ذوي الأوثان
واضرب رقاب الغادرين بسيفه *** وأذقهمُ السوء بكل مكان
وآدم صلاتك والسلام على الذي *** أرسلته بشرائع الإيمان
والآل والأصحاب ما نجمٌ بدا *** والتابعين لهم على الإحسان
كتبه/ أبو عمر الدوسري.
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.