هل تتبع ابن عمر آثار النبي صلى الله عليه وسلم دليل على جواز التبرك ببعض البقاع؟
يستدلُّ بعضُ المبتدعةِ بجوازِ التبركِ ببعضِ البقاعِ بفعلِ ابنِ عمر رضي الله عنه في تتبعِه لآثارِ النبي صلى الله عليه وسلم([1]).
الرد:
أولًا: ما تقدم من نهي عمر رضي الله عنه عن تتبع الآثار التي كان يمرُّ بها النبي صلى الله عليه وسلم اتفاقًا، ولاشك أن قول عمر رضي الله عنه مقدم على رأي ابنه؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: »إنَّ اللهَ جعلَ الحقَّ على لسانِ عمرَ وقلبِه«([2]).
ثانيًا: هذا مما انفرد به ابنُ عمر رضي الله عنه، ولم يوافقه عليه بقيةُ الصحابة رضي الله عنهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: »ولأنَّ ما فعلَه ابنُ عمرَ لم يوافقْه عليه أحدٌ من الصحابةِ، فلم يُنقل عن الخلفاءِ الراشدين ولا عن غيرِهم من المهاجرين والأنصارِ، أن أحدًا منهم كان يتحرى قصدَ الأمكنةِ التي نزلها النبيُّ صلى الله عليه وسلم، والصوابُ مع جمهورِ الصحابةِ؛ لأن متابعةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم تكونُ بطاعةِ أمرِه، وتكونُ في فعلِه، بأن يفعلَ مثلَ ما فعلَ على الوجهِ الذي فعلَه.
فإذا قصدَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم العبادةَ في مكانٍ كان قصدُ العبادةِ فيه متابعةً له، كقصدِ المشاعرِ والمساجد، وأما إذا نزلَ في مكانٍ بحكمِ الاتفاقِ لكونه صادفَ وقتَ النزولِ، أو غيرَ ذلك مما يُعلم أنه لم يتحرَّ ذلك المكان، فإنَّا إذا تحرينا ذلك المكانَ لم نكنْ متبعين له، فإن الأعمالَ بالنيات«([3]).
ثالثًا: لم يُنقل عن ابنِ عمرَ - رضي الله عنهما - أنه كان يفعل ذلك تبرُّكًا بتلك البقاع، وإنما يُحمل ذلك على ما كان عليه رضي الله عنه من شدة الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا اجتهاد منه رضي الله عنه في المبالغة في الاتباع، لاسيما وأنه لم يُوافَق على ذلك([4])، بل إنه رضي الله عنه لم يكن يتقصَّد تلك البقاع بالسفر وشدِّ الرَحْلِ إليها، وإنما كان يتقصَّدها ما دامت في طريق سفره([5])، والله تعالى أعلم.
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.