(أصل الخرقة وسندها عند الصوفية)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛
يرى بعض الصوفية أن لبس الخرقة يرجع إلى إبراهيم عليه السلام وفي ذلك يقول السهرودري:" وقد نقل أن إبراهيم عليه السلام، حين ألقي في النار جرد من ثيابه، وقذف في النار عريانا، فأتاه جبريل بقميص من حرير الجنة وألبسه إيا، وكان ذلك عند إبراهيم، فلما مات ورثه إسحاق، فلما مات ورثه يعقوب، فجعل يعقوب عليه السلام ذلك القميص في تعويذ، وجعله في عنق يوسف، فكان لا يفارقه، ولما ألقي في البئر عريانا، جاءه جبريل، وكان عليه التعويذ فأخرج القميص منه وألبسه إياه".
ويعتقد الصوفية أن القميص كان فيه ريح الجنة، وبذلك تكون الخرقة عند المريد الصادق فقد ساق السهروردي بسنده عن مجاهد قال:" كان يوسف عليه السلام أعلم بالله من أن لا يعلم أن قميصه لا يرد على يعقوب بصر، ولكن ذاك كان قميص إبراهيم، وذكر ما ذكرناه".
قال:" فأمره جبريل أن أرسل بقميصك فإن فيه ريح الجنة لا يقع على مبتلى أو سقيم إلا صح وعوفي، فتكون الخرقة عند المريد الصادق متحملة إليه عرف الجنة، لما عنده من الاعتداد بالصحبة لله، ويرى لبس الخرقة من عناية الله به وفضل من الله".
جاء في الموسوعة الصوفية:" والخرقة لذلك فيها البركات والطيبات يورثها الشيخ للمريد، وحالها حال قميص يوسف، ترد بصيرة المريد وتورثه العلم".
وينسب البعض من الصوفية الخرقة إلى الخضر.
وفي ذلك يقول ابن عربي:" فقد كنت لبست خرقة الخضر من يد صاحبنا تقي الدين عبد الرحمن بن علي بن ميمون بن آب النورزي ولبسا من يد صدر الدين شيخ الشيوخ بالديار المصرية وهو محمد بن حموية وكان جده قد لبسها من يد الخضر عليه السلام، ومن ذلك الوقت قلت بلبس الخرقة والبستها الناس لما رأيت الخضر قد اعتبرها".
ومنهم من يرى أن الخرقة كانت في السماء السابعة وقد لبسها النبي صلى الله عليه وسلم عندما عرج به يقول البدري في كتابه آداب عمومية لكل طريق "السؤال الخامس: وإذا سألوك عن الخرقة ما تكون وأين كانت؟من لبسها ابتداء الأول إلى تاريخ هذا الآن.
الجواب يا أخي: إن الخرقة كانت في السماء الساعة فلما عرج صلى الله عليه وسلم إلى السماء السابعة مسك جبريل بيد النبي صلى الله عليه وسلم بعد المناجاة قال: وأدخلني الجنة، فرأيت فيها قصرا من ياقوت أحمر، فيه صندوق من نور، فقلت يا أخي ما في هذا الصندوق؟
فقال: فيه فخرك وفخر أمتك من بعدك إلى يوم القيامة، ثم فتح الصندوق، فأخرج منه خرقة الفقراء ولبسها قال: يا حبيب رب العالمين، يا محمد، قد أمرني ربي سبحانه وتعالى أن ألبسها لك، فعند ذلك قال صلى الله عليه وسلم:" الفقراء فخري، وبهم افتخر"، وفي رواية فخري وفخر أمتي من بعدي.
فأول من لبسها جبرائيل بعد النبي صلى الله عليه وسلم وجبرائيل لبسها من ميكائل وميكائيل لبسها من إسرافيل، وإسرافيل لبسها من عزرائيل، وعزرائيل من رب العالمين لبسها".
وأكثر الصوفية يسوقون سند الخرقة إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقالوا بأنه ألبسها الحسن البصري وأخذ عليه العهد بالتزام الطريقة واتصل ذلك عندهم بالجنيد، وانتقلت منه إلى سائر الصوفية.
فمثلا يكون السند على النحو التالي:
الجنيد
السقطي
معروف الكرخي
داود الطائي
حبيب العجمي
الحسن البصري
علي بن أبي طالب
النبي صلى الله عليه وسلم
قال الصيادي بعد أن ساق سند الشيخ أحمد الرفاعي إلى الحسن البصري:" وهو أخذها من علي بن أبي طالب زوج البتول وابن عم المصطفى الذي ألبسه إياها".
وقال: ضياء الدين أحمد الوتري الشافعي:"إن خرقة الصوفة رضي الله عنهم تتصل بالخليفة الرابع أسد الملاحم، أمير المؤمن أسد الله سيدنا علي بن أبي طالب، كرم الله تعالى وجهه ورضي الله تعالى عنه وقد ندر اتصال خرقة بغيره وكلهم على هدى يتصلون بسيد المخلوقين حبيب رب العالمين ولا يتلفت لما يقوله البعض في شأن خرقة الصوفية".
ومنهم من يسندها إلى أويس القرني رحمه الله عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فيكون السند على النحو التالي:
الجنيد
جعفر الحذاء
أبو عمرو الأصطخري
شقيق البلخي
إبراهيم بن أدهم
موسى بن يزيد الراعي
أويس القرني
عمر بن الخطاب رضي الله عنه
النبي صلى الله عليه وسلم.
وهناك من يجعل سند الخرقة متصلا بمعروف الكرخي عن الرضا حتى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فيكون السند على النحو التالي:
معروف الكرخي
علي بن موسى الرضا
أبو عمروا الأصطخري
موسى بن جعفر الكاظم
جعفر بن محمد الصادق
محمد بن علي الباقر
علي بن الحسين زين العابدين
الحسين بن علي الشهيد
علي بن أبي طالب رضي الله عنه
النبي صلى الله عليه وسلم
فهذه أشهر أسانيد الخرقة وسلسلتها عند الصوفية قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الخرق متعددة أشهراها خرقتان خرقة إلى عمر وخرقة إلى علي فخرقة عمر لها إسنادان إسناد إلى أويس القرني وإسناد إلى أبي مسلم الخولاني.
وأما الخرقة المنسوبة إلى علي فإسنادها إلى الحسن البصري والمتأخرون يصلونها بمعروف الكرخي".
وزعموا أن لهذه الخرقة أصلا في السنة حيث يقول السهروردي، ووجه لبس الخرقة من السنة ثم ساق بسنده وحديث أم خالد حيث قالت: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بثياب فيها خميصة سوداء صغيرة فقال: من ترون أكسو هذه؟
فسكت القوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ائتوني بأم خالد، قالت: فأتى بي فألبسنيها بيده فقال: أبلى وأخلقي يقولها مرتين، وجعل ينظر إلى علم في الخميصة أصفر أو أحمر ويقول يا أم خالد هذا سناه، والسناه هو الحسن بلسان الحبشة.
قال الشيخ يوسف بن عبد الهادي في كتابه بدء العقلة بلبس الخرقة بعد إيراده لحديث أم خالد قال الحافظ ابن ناصر الدين، وممن أنعم الله عليه فكساه النبي صلى الله عليه وسلم أم خالد الأموية وذكر الحديث، وإنه أصل يعتمد عليه، ويقاس في الإلباس واللباس من أيدي صالحي الناس عليه.
وقال السيوطي بعد أن ذكر هذا الحديث:" وقد استنبطت للخرقة أصلا أوضح من الحديث الذي ذكره وهو ما أخرجه البيهقي في شعب الإيمان من طريق عطاء الخرساني أن رجلا أتى ابن عمر رضي الله عنه فسأله عن إرخاء طرف العمامة، فقال عبد الله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية وأقر عليه عبد الرحمن بن عوف، وعقد لواء، وعلى عبد الرحمن بن عوف عمامة من كرابيس مصبوغة بسواد، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحل عمامته ثم عممه بيده، وأفضل من عمامته موضع أربعة أصابع أو نحو ذلك، فقال هكذا، فأعتم، فإنه أحسن وجمل".
وأخرج أبو داود والبيهقي عن عبد الرحمن بن عوف قال: عممني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسدلها بين يدي ومن خلفي".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن ذكر حديث أم خالد:" واستدلوا أيضا بحديث البردة التي نسجتها امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم: فسأله إياها بعض الصحابة فأعطاه إيهاها وقال:" أردت أن تكون كفنا لي".
فهذه جملة ما يستدلون به على مشروعية إلباس الخرقة يقول أحمد بن الرفاعي- صوفي معاصر-"وخلاصة ما يراد أن خرقة السادة الصوفية ذات أصل في السنة ثابت ورجالها الأئمة الذين ثبتت لهم المعالي في الأمة".
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.