أنواع الخرقة ولونها عند الصوفية
أولا: أنواع الخرقة:
يقول السهروردي:" اعلم أن الخرقة خرقتان خرقة الإرادة وخرقة التبرك، والأصل الذي قصده المشايخ للمريدين خرقة الإرادة، وخرقة التبرك تشبه بخرقة الإرادة، فخرقة الإرادة للمريد الحقيقي، وخرقة التبرك للمتشبه ومن تشبه بقوم فهو منهم"[1].
فهي على نوعين وفي ذلك يقول قائلهم:
وهي على قسمين عند السادة للالتماس ثم للإرادة[2]
وإليك تفصيلها:
أولا : خرقة الإرادة: هي التي يطلبها المريد من الشيخ ويكون هذا المريد قد تلقن من الشيخ كل الواجبات التي ترفضها عليه هذه الخرقة، من سلوك القوم وطريقتهم والتأدب بآدابها والعمل بشروطها كما تقدم، ولا يحصل الريد عليها حتى تنتهي على تلمذته ثلاث سنوات في صحبة شيخة قال السهروردي: "واعلم أن للمريدين مع الشيوخ أوان ارتضاع وأوان فطام، فأوان الارتضاع وأوان لزوم الصحبة والشيوخ يعلم وقت ذلك فلا ينبغي للمريد أن يفارق الشيخ إلا بإذنه، ولا يأذن الشيخ للمريد في المفارقة إلا بعد علمه بأن آن له وأوان الفطام، وأنه يقدر أن يستقل بنفسه واستقلاله بنفسه أن يفتح له باب الفهم من الله تعالى، فإذا بلغ المريد رتبة إنزال الحوائج والمهام بالله والهم من الله تعالى بتعريفاته وتنبيهاته سبحانه وتعالى لعبده السائل فقد بلغ أوان فطامه، ومتى فارق قبل أوان الفطام يناله من الإعلال في الطريق بالرجوع إلى الدنيا ومتابعة الهوى ما ينال المفطوم لغير أوانه في الولاة الطبيعية، وهذا التلازم بصحبة المشائخ للمريد الحقيقي والمريد الحقيقي يلبس خرقة الإرادة[3].
ثانيا : خرقة التبرك: هي التي يمنحها الشيخ الصوفي لأغراض تخدم الطريقة وتفيد الدعوة الصوفية كالاستمالة واستدرار المنفعة، مادية كانت أو معنوية، وقد تكون سببا في الحصول على خرقة الإرادة.
وتسمى بخرقة التشبه لمشابهتها لخرقة الإرادة ولا يشترط فيها شروط خرقة الإرادة[4].
ولا شك أن من يحصل على مثل هذه الخرقة"خرقة التبرك" تكون له المنزلة المرموقة عند الصوفية والنفوذ في المجتمع الذي يعيش فيه.
يقول السهروردي: "فأما خرقة التبرك فيطلبها من مقصوده التبرك بزي القوم ومثل هذا لا يطالب بشرائط الصحة بل يوصى بلزوم حدود الشرع ومخالطة هذه الطائفة لتعود عليهم بركتهم ويتأدب بآدابهم فسوف يرقيه ذلك إلى الأهلية لخرقة الإرادة فعلى هذا خرقة التبرك مبذولة لكل طالب، وخرقة الإرادة ممنوعة إلا من الصادق الراغب"[5].
إذا فخرقة الإرادة للمريد الحقيقي وخرقة التبرك للمتشبه وتكون خرقة الإرادة للخصوص وخرقة التبرك للعموم.
ومقصود الصوفية خرقة الإرادة، أما خرقة التبرك فهي تبعا لها.
ثانيا: لون الخرقة
لقد استحسن الصوفية الملون من الخرق حتى لا يظهر فيه الوسخ لعدم تفرغهم لغسل الثياب كما زعموا[6].
قال السهروردي:" فاختاروا اللمون لهذا المعنى لأنهم راعية وقتهم في شغل، وإلا فأي ثوب ألبس الشيخ المريد من أبيض أو غير ذلك فللشيخ الاختيار والولاية"[7].
ويفضل أكثر المتصوفة الخرقة الزرقاء لأنها أرفق للفقير ولكونه يحمل الوسخ ولا يحوج إلى زيادة غسل[8].
وهناك من يرى أن اللون الأزرق شعار الحزانى المظلومين وهو حداد الصوفية على هذه الحياة التي ليس فيها إلا القوت فناسب اتخاذه لذلك[9].
وفي تعليل ذلك يقول الهجويري : " إن لبس الأزرق شعار أصحاب الوفاة والمصائب، وهو لأناس رداء الحزن، والدنيا دار المحنة وخربة المصيبة، ومفازة الغم وآفة المبتلين بالفراق وحصن البلاء، فلما رأى المريدون أنهم لم يبلغوا مقصودهم في الدنيا لبسوا الأزرق، وجلسوا في مأتم الوصال"[10].
وبناء على أن الشيخ له الحرية في إلباس المريد ما شاء من ألوان نجد أن الطرق الصوفية قد تنوعت ألوان خرقها بحسب ما يراه شيخ الطريقة وإمامها.
فمثلًا الطريقة الأحمدية جعلت شعارها الراية الحمراء لأن السيد أحمد البدوي كما يزعمون: "أوصى تلميذه الكبير وخليفته الأول صاحب الفضل الأكبر في الدعوة إلى ولايته أوصاه فقال له:" يا عبد العال اعلم أني اخترت هذه الراية لنفسي في حياتي وبعد مماتي وهي علامة لمن يمشي على طريقتنا من بعدنا"[11].
وقد زعم صاحب الجواهر السنية أن قدوة البدوي في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم حيث كانت له حلة حمراء يلبسها في الأعياد والجمع[12].
ونجد الطريقة الرفاعية تتوشح بالسواد يقول أحمد عبد الله الرفاعي بعد أن ساق سند الخرقة"فإن الخرقة أعني الزي الذي اختاره السادة الرفاعية ومضوا عليه خلفا بعد سلف إنما هو العمامة السوداء مرسلة الطرف، واختارها بعضهم بغير إرسال"[13].
والناظر في الساحة اليوم يجد أن اللون الأخضر له وجود كبير بين الطرق الصوفية، وقد أشار الدكتور عبد الله نومسوك إلى أن بعض الطرق الصوفية في تايلند وينتسب أصحابها إلى الشاذلية يقدسون الخرقة الخضراء ويجعلونها شعارا لطريقتهم فيلبسونها في مناسبات مختلفة ويكفنون بها أمواتهم واخترعوا لهذه الخرقة سلسلة متصلة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم[14].
وهناك من الصوفية من ذهب إلى لون الخرقة تبعا لحال الصوفي:" فالذي قهر نفسه وقتلها بسيف المجاهدة والمكابدة، وجلس في مآتم النفس عليه أن يلبس الصوف الأسود، وإن كان تائبا من المخالفات وغسل ملبوس عمره بصابون الإنابة والرياضة، ونقى صحيفة قلبه عن ذكر الغير، فعليه أن يلبس الصوف الأبيض، وإن كان منالذين اجتازوا العالم السفلي، ووصل إلى العالم العلوي بهمته فعليه أن يلبس الصوف الأزرق، لأنه لون السماء"[15].
وهناك من يجعل الخرقة بحسب ألوانها أربع:
-الخضراء وهي خرقة الشيخ عبد القادر الجيلاني.
-السوداء وهي خرقة السيد أحمد الرفاعي.
-الصفراء وهي خرقة السيد الدسوقي.
-الحمراء وهي خرقة السيد أحمد البدوي.
ولكل منهم راية من لون الخرقة، أما أصحاب الطرق الأخرى فهم مقلدون هؤلاء في لون الخرق والرايات، ويكتبون علىى الراية لا إله إلا الله محمد رسوله وهذه الجملة لابد منها في كل راية كل الطرق[16].
قلت: والواقع أن ألوان الخرق عند الصوفية ليست محصورة في هذه الأربع وإن كانت هي الأشهر، ومن أراد الوقوف على حقيقة ألون خرق الصوفية فإنها تتجلى في مواسم احتفالاتهم وأعيادهم، ولا سيما الأعياد التي تكون قاسم مشترك بين الصوفية كالاحتفال بمولد الحسين رضي الله عنه عند قبره، فستجد تعدد الألوان وكثرتها فكل طريقة لها راية من لون الخرقة تتميز بها عن غيرها.
[1] عوارف المعارف (104).
[2] فصل في الخرقة من ألفية التصوف للكبري (101).
[3] عوارف المعارف (104).
[4] انظر الموسوعة الصوفية (734)، ومعجم الصوفية (152).
[5] عوارف المعارف (105).
[6] الموسوعة الصوفية (734).
[7] عوارف المعارف (105).
[8] المصدر السابق (105).
[9] انظر: الموسوعة الصوفية (952).
[10] كشف المحجوب (1/250).
[11] الجواهر السنية لابن عبد الصمد (146).
[12] المرجع السابق (147).
[13] العقيدة الحقة للرفاعي (65).
[14] البوذية (49).
[15] أوراد الأحباب وفصول الآداب (2/14)، لأبي المفاخر البخارزي نقلا عن التصوف-المنشأ، المصدر (45-46).
[16] انظر: الطرق الصوفية في مصر نأشتها ونظمها، د. عامر النجار(60-61)، والطرق الصوفية في مصر، د. زكريا بيومي (143).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.