الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمدٍ رحمةِ الله للعالمين، وعلى آله وصحبه وتابعيه بإحسانٍ، إلى يوم الدِّين ثم أما بعد؛
الردُّ: قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية في معرضِ كلامِه عنْ الأوقاتِ الفاضلةِ التي قدْ يحدثُ فيها ما يُعْتَقَدُ أنه له فضيلةٌ، وتوابعُ ذلك ما يصيرُ منكرًا يُنهى عنه: (ومِنْ هذا البابِ ليلةُ النصفِ مِنْ شعبان؛ فقدْ رُوي في فضلِها من الأحاديثَ المرفوعةِ وَالآثارِ ما يقتضي أنها ليلةٌ مفضلةٌ، وأنَّ مِن السلفِ مَنْ كانَ يَخُصُّهُا بالصلاةِ، وصومُ شهرِ شعبانَ قدْ جاءتْ فيه أحاديثُ صحيحةٌ.
ومِنَ العلماءِ مِنَ السلفِ مِنْ أهلِ المدينةِ وغيرِهم مِن الخَلَفِ مَنْ أنكرَ فضلَها، وطعنَ في الأحاديثَ الواردةِ فيها، كحديثِ: ((إِنَّ اللهَ يغفرُ لأكثرَ مِنْ عَدَدِ شَعرِ غَنَمِ كَلْبٍ))، وقالَ لَا فرقَ بينها وبينَ غيرِها.
لكنَّ الذي عليه أكثرُ أهلِ العلمِ، أوْ أكثرُهم منْ أصحابِنا وغيرِهم على تفضيلِها، وعليه يدلُّ نَصُّ أحمد، لتَعَدُّدِ الأحاديثَ الواردةِ فيها، وما يُصَدِّقُ ذلكَ مِنَ الآثارِ السلفيةِ، وقدْ رُوي بعضُ فضائِلِها في المسانيد وَالسننِ([1])، وإنْ كانَ قدْ وُضِعَ فيها أشياءُ أُخَرُ)([2])ا.هـ.
وقالَ الحافظُ ابنُ رجب: (وليلةُ النصفِ منْ شعبانَ كانَ التابعون مِنْ أهلِ الشامِ، كخالدِ بنِ معدان ومكحول ولقمان بنِ عامر وغيرِهم يُعَظِّمُونَها وَيجتهدون فيها في العباداتِ، وعنهم أخذَ الناسُ فضلَها وتعظيمَها.
وقدْ قيلَ إنَّه بلغَهم في ذلكَ آثارٌ إسرائيلية، فلمَّا اشْتُهِرَ ذلك عنهم في البلدانِ اختلفَ الناسُ في ذلكَ؛ فمنهم مَنْ قَبِلَهُ ووافقَهم على تعظيمِها، منهم طائفةٌ منْ عُبَّادِ أهلِ البصرة وغيرِهم، وأنكرَ ذلكَ أكثرُ علماءِ الحجاز، منهم عطاءُ وابنُ أبي مليكة، ونقلَه عبدُ الرحمنِ بنِ زيد بن أسلم عنْ فقهاءِ أهلِ المدينةِ([3])، وهوَ قولُ أصحابِ مالك وغيرِهم، وقالوا ذلكَ كُلُّهُ بدعةٌ.
قالَ أبو شامة: (وقالَ الحافظُ أبو الخطاب بن دحية في كتابِ مَا جاءَ في شهرِ شعبانَ: قالَ أهلُ التعديلِ وَالتجريحِ: ليسَ في فضلِ ليلةِ النصفِ منْ شعبانَ حديثٌ صحيحٌ)([4]).ا.هـ.
وذكرَ ابنُ رجب: (أنَّ قيامَ ليلةِ النصفِ منْ شعبانَ لَمْ يثبتْ فيه شيءٌ عَنْ النبيِّ - صلى اللهُ عليه وسلم - ولا عنْ أصحابِه، وثَبُتَ فيها عنْ طائفةٍ من التابعين مِنْ أعيانِ فُقَهَاءِ أهلِ الشام)([5]).
وقالَ الشيخُ عبدُ العزيزِ بنُ باز: (وقدْ وردَ في فضلِها - ليلة النصفِ مِنْ شعبانَ - أحاديثُ ضعيفةٌ لا يجوزُ الاعتمادُ عليها، وأما ما وردَ في فضلِ الصلاةِ فيها فَكُلُّهُ موضوعٌ، كمَا نَبَّهَ على ذلكَ كثيرٌ مِنْ أهلِ العلمِ)([6]) ا.هـ.
لَوْ كانتْ ليلةُ النصفِ مِنْ شعبانَ، أوْ ليلةُ أولِ جمعةٍ مِنْ رَجَب، أوْ ليلةُ الإسراءِ والمعراجِ يشرعُ تخصيصُها باحتفالٍ أو شيءٍ مِنَ العبادةِ؛ لأرشدَ النبيُّ - صلى اللهُ عليه وسلم – الأمةَ، ولم يكتمْه عنه الصحابةُ - رضيَ اللهُ عنهم -، وهمْ خيرُ الناسِ، وأنصحُ الناسِ بعدَ الأنبياءِ - عليهم الصلاةُ والسلامُ -، ورضيَ اللهُ عنْ أصحابِ رسولِ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلم – وأَرْضَاهُم.
وَقَدْ عَرِفْتَ آنفًا مِنْ كلامِ العلماءِ أنَّه لمْ يثبتْ عنْ رسولِ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلم - ولا عنْ أصحابِه - رضيَ اللهُ عنهم - شيءٌ في فضلِ ليلةِ أولِ جمعةٍ منْ رجب، ولا في فضلِ ليلةِ النصفِ منْ شعبانَ، فَعُلِمَ أنَّ الاحتفالَ بهما بدعةٌ مُحْدَثَةٌ في الإسلامِ، وهكذا تخصيصُها بشيءٍ مِنَ العبادةِ بدعةٌ مُنْكَرَةٌ ا.هـ([7]).
واللهُ أعلمُ، وصلى اللهُ وَسَلَّمَ على عبدِه ورسولِه، نبيِّنَا محمدٍ وَآلِه وَصحبِه أجمعين.
الهوامش
([1]) ورد في فضل ليلة النصف من شعبان أحاديث وآثار ولكنها لا تخلو من مقال.
يراجع: العلل المتناهية، ابن الجوزي، (2/67-72)، ومجمع الزوائد، الهيثمي، (8/65)، وسلسلة الأحاديث الصحيحة، الألباني، (3/135- 139)، حديث رقم: (1144).
([2]) يراجع: اقتضاء الصراط المستقيم، ابن تيمية، (3/626، 627)، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، (23/123)، والاختيارات الفقهية، ابن تيمية، ص(65).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.