الحمدُ للهِ وَالصلاةُ وَالسلامُ على رسولِ اللهِ وَآلِه وَصَحبِه وَمَنْ وَالَاه وبعد ...ومنها: إسنادُ الكرامة الصوفيةِ التاسعة: قالَ أبو نعيم الأصبهاني: (ذكرَ لي أبو عامر عبد الوهاب بن محمد، عن أبي عبد الله محمد بن أحمد قالَ: كنتُ عندَ سهل بن عبد الله جالسًا، فسقطَتْ بيننا حمامةٌ ...)([1]).
وإسنادُها لا يصح؛ لأنَّ مِنْ رجالِه: أبو نعيم الأصبهاني، سبقَ أنْ بينَّا ضعفَه، وعبدُ الوهابِ بن محمد بن أحمد بن إبراهيم العسال، وأبو عامر عبد الوهاب بن محمد؛ مجهولان، فلمْ أعثرْ لهما على حالٍ جرحًا ولا تعديلًا، رغمَ طولِ البحثِ عنهما، وسهل بن عبد الله بن يونس بن عيسى بن عبد الله بن رفيع أبو محمد التستري: لم يذكرْ الذين ترجموا له مِن المحدثين حالًا جرحًا ولا تعديلًا([2]).
وعليه؛ فالرجالُ في عدادِ المجهولي الحال، والإسنادُ لا يصحُّ مِنْ جهتِه.
وإسنادُ الكرامةِ الصوفيةِ العاشرة: قالَ أبو نعيم الأصبهاني: (حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الْهَرَوِيُّ قَالَ: حَكَى لِي عَنْ جَعْفَرَ بْنِ الزُّبَيْرِ الْهَاشِمِيِّ أَنَّ أَبَا الْحُسَيْنِ النُّورِيَّ، دَخَلَ يَوْمًا الْمَاءَ فَجَاءَ لِصٌّ فَأَخَذَ ثِيَابَهُ ...)([3]).
وإسنادُها لا يصحُّ؛ لوجودِ راوٍ مجهولٍ روى عنه أبو الفضل الهروي بقول: "حُكي لي"، بالإضافةِ إلى الراوي الأول - المؤلف – فقدْ سبقَ أنْ بينَّا أنَّه ضعيفٌ.
ومتنُها منكرٌ ومُستبعدٌ تمامًا؛ لأنَّ الواقعَ يشهدُ بأنَّ السُّرَّاقُ يسرقون وَلَا رأينا واحدًا منهم شُلَّتْ يدُه، فلو كانَ الأمرُ ذلك ما فرضَ اللهُ علينا قطعَ يدِ السارقِ، فلا يصحُّ أنْ نتركَ حقائقَ الواقعِ ونُفْسِدُ تفكيرنَا بمثلِ هذه الخرافاتِ.
بَلْ وحتى وإنْ فرضنا جدلًا حدوثَ مثل ذلك مرةً في آلافِ السنين بدعوى أنها كرامة، فَمِنْ حقِّنَا رفضُها وَلا يضرُّنا إنكارُنا لها، ولا فَرَضَ اللهُ علينا التصديقَ بها.
وأما بالنسبة لأسانيد رواياتِ كراماتِ إبراهيمَ بن أدهم التي رواها أبو نعيم الأصبهاني:
فأولها: (حَدَّثَنَا أبو محمد بن حيان، ثنا محمد بن أحمد بن سليمان الهروي، ثنا محمد ابنُ منصور الطوسي، ثنا النضر قالَ: كَانَ إبراهيمُ بن أدهم يأخذُ الرطبَ مِنْ شجرةِ البلوط)([4]).
وإسنادُها لا يصح؛ لأنَّ منْ رجالِه: أبو نعيم الأصبهاني، بينَّا سابقًا أنه ضعيف، ومحمد بن أحمد بن سلميان الهروي: أبو العباس: لم أعثرْ له على حالٍ، وقدْ ترجمَ له الذهبي ولم يذكرْ فيه جرحًا ولا تعديلًا([5]).
وأبو النضر هاشم بن القاسم بن مسلم بن مقسم الليثي أبو النضر البغدادي الحافظ خراساني الأصل، ولقُبه قيصر: ثقةٌ، ثبتٌ([6])، لكنَّه لم يصرحْ بالسماعِ مِن ابنِ أدهم، واكتفى بقولِ: (كانَ إبراهيمُ بن أدهم ...)([7])، وبما أنه كانَ ثبتًا، وعاشَ في زمنٍ التفريقُ فيه بينَ السماعِ مِنْ عدمِه معروفٌ ومطلوبٌ، وهنا لم يصرحْ بالتحديثِ، فالإسنادُ لم يثبتْ اتصالُه مِنْ جهتِه.
وإبراهيم ابن أدهم بن منصور العجلي، وقيل: التميمي أبو إسحاق البلخي الزاهد، صدوقٌ([8])، وبما أنه تبينَ مِنْ تَتَبُّعِ أحوالِ هذا الرجلِ أنَّه لم يكنْ إنسانًا سويًّا، لا عدالةً ولا ضبطًا، وإنسانٌ هذا حالُه لا يصحُّ الأخذُ عنه، ولا الثقةُ فيما يرويه، علمًا بأنَّ التصوفَ أفقدَه توازنَه العقلي، وأبعدَه عن الالتزامِ الشرعي، وبما أنَّ الأمرَ كذلك، ومرتبتُه في الجرحِ والتعديلِ لا تُشْعِرُ بالضبطِ فهو ليسَ بحجةٍ فيما يرويه، خاصةً وأنَّه كثيرًا ما يروي ما يخالفُ المألوفَ وطبائعَ الأشياءِ، فالرجلُ ضعيفٌ، وليسَ مِن الشرعِ ولا مِن العقلِ ولا مِن العلمِ قبولُ أخبارِ رجلٍ هذا حالُه.
وإسنادُ الروايةِ الثانية: (حَدَّثَنَا عبدُ اللهِ بن محمد بن جعفر، ثنا عيسى بن محمد الوسقندي، ثنا وبرة الغساني، ثنا عدي الصياد - مِنْ أهلِ جبلة - قالَ: سمعتُ يزيدَ بن قيس يحلفُ باللهِ أنَّه كانَ ينظرُ إلى إبراهيمَ بنِ أدهم ...)([9]).
وإسنادُها لا يصح؛ لأنَّ منْ رواتِه: أبو نعيم الأصبهاني، وبينَّا سابقًا أنه ضعيفٌ، وبرة الغساني، يبدو أنه مجهولُ الحالِ، فلم أعثرْ له على ذكرٍ جرحًا ولا تعديلًا، رغمَ كثرةِ البحثِ عنه في مصنفاتِ الجرحِ والتعديلِ، والتراجمَ والتواريخِ، وغيرِها من المصنفاتِ.
وعدي الصياد منْ أهلِ جبلة: مجهولٌ، فلمْ أعثرْ له على حالٍ، ولا على ترجمةٍ، رغمَ كثرةِ البحثِ عنه في مختلفِ مصنفاتِ الرجالِ والتواريخ، ويزيد بن قيس لمْ أعثرْ له على حالٍ جرحًا ولا تعديلًا، ولا ذُكِرَ منْ بين الذين رووا عنْ ابنِ أدهم([10]).
وإسنادُ الروايةِ الثالثة: (حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا أبو العباس الهروي، ثنا عصام بن رواد، ثنا عيسى بن حازم، حدثني إبراهيمُ بن أدهم قالَ: لوْ أَنَّ مؤمنًا ...)([11]).
إسنادُها لا يصح؛ لأنَّ منْ رواتِه: أبو نعيم الأصبهاني، ضعيفٌ كما بينَّاه سابقًا، وأبو العباس محمد بن أحمد بن سلميان الهروي: ترجمَ له الذهبي ولمْ يذكرْ فيه جرحًا ولا تعديلًا([12])، فالرجلُ مجهولُ الحالِ.
وعصام بن رواد بن الجراح العسقلاني: صدوقٌ، لين([13])، فالرجلُ ضعيفٌ، وعيسى بن حازم النيسابوري: ترجمَ له أبو حاتم ولمْ يذكرْ فيه جرحًا ولا تعديلًا([14])، فالرجلُ مجهولُ الحالِ، وإبراهيم بن أدهم ضعيفٌ كما بينَّاه أعلاه.
وإسنادُ الروايةِ الرابعةِ: (حدثنا أبو الفضل نصر بن أبي نصر الطوسي، ثنا علي بن محمد المصري، ثنا يوسف بن موسى المروزي، ثنا عبدُ الله بن خبيق، قالَ: سمعتُ عبدَ اللهِ بنَ السندي يُحَدِّثُ أصحابَه قالَ: لَوْ أَنَّ وليًّا مِنْ أولياءِ اللهِ قَالَ للجبلِ: زُلْ لَزَالَ ...)([15]).
إسنادُها لا يصح؛ لأنَّ منْ رواتِه: أبو نعيم الأصبهاني، وأبو الفضل نصر بن محمد بن أحمد بن يعقوب الطوسي، العطار الصوفي: صاحب البلي: ترجمَ له الذهبي، ولمْ يذكرْ فيه جرحًا ولا تعديلًا، وروى له حديثًا حُكِمَ عليه بأنَّه منكرٌ جدًّا([16]).
فالرجلُ ضعيفٌ لتصوفِه ولجاهلةِ حالِه، وعبدُ اللهِ بن خبيق: الأنطاكي: لمْ أعثرْ له على حالٍ، فلمْ أعثرْ له على مَنْ ذكرَ حالَه جرحًا ولا تعديلًا، إلا ابن حبان أوردَه في كتابِه الثقات، منْ دونِ أنْ يذكرَ فيه ما يدلُّ على توثيقِه، وأشارَ إلى أنه يروي الحكاياتِ عنْ ابنِ المبارك([17])، وتوثيقُه له لا يٌعَوَّلُ عليه؛ لأنَّه معروفٌ بأنه متساهلٌ جدًّا في التوثيقِ، خاصةً ونحنٌ أمامَ روايةٍ متنُها منكرٌ جدًّا، ولا يصح.
وإسنادُه فِي الروايةِ الخامسةِ - مِنْ كراماتِ ابنِ أدهم المزعومة -:
(عنْ عبدِ اللهِ بن محمد بن يعقوب قالَ: سمعتُ عبدَ الصمد بن الفضل يقولُ: سمعتُ مكي بن إبراهيم يقولُ: كانَ إبراهيمُ بنُ أدهم بمكةَ، فَسُئِلَ مَا يبلغُ مِنْ كرامةِ المؤمنِ على اللهِ - عزَّ وجلَّ -؟ ...)([18]).
إسنادُها لا يصح؛ لأنَّ مِنْ رجالِه: أبو نعيم الأصبهاني، بينَّا ضعفَه سابقًا، وهوَ هنا أيضًا لم يصرحْ بالسماعِ، وإنما قالَ: "حُدِّثْتُ"، فالإسنادُ منْ ناحيتِه منقطعٌ.
وعبدُ الصمد بن الفضل بن موسى بن هاني البلخي أبو يحيى: له حديثٌ منكرٌ، صالحُ الحالِ([19])، وهذه المرتبةُ تُشْعِرُ بالقربِ من التجريحِ، وصاحبُها لا يُحْتَجُّ بِهِ([20]).
ومكي بن إبراهيم بن بشير التميمي البلخي: ثقةٌ، ليسَ بِه بأسٌ، محلةُ الصدقِ([21])، لكنَّه لمْ يُصَرِّحْ بالسماعِ، فيحتملُ أنَّ الإسنادَ غيرُ متصلٍ، وبما أنَّه كانَ فِي وقتٍ التفريقُ فيه بينَ السماعِ مِنْ عدمِه معروفًا ومطلوبًا، وهنا لمْ يصرحْ بالسماعِ؛ فالإسنادُ مِنْ جهتِه غيرُ متصلٍ، وإبراهيمُ بن أدهم ضعيفٌ كما بينَّاه أعلاه.
وأمَّا إسنادُ الروايةِ الأخيرةِ - الكرامة الصوفية الثامة عشر -: قالَ عبدُ الوهابِ الشعراني: (ومنهم الشيخُ علي نور الدين المرصفي ... أنَّه قرأَ بينَ المغربِ والعشاءِ خمسَ ختماتٍ ...)([22]).
إسنادُها لا يصح؛ لأنَّ منْ رجالِه: الشعراني وشيخه المرصفي، وهما ضعيفان بحكمِ تصوفِهما، وقدْ سبقَ تفسيرُ ذلك فلَا نعيدُه هنا، والشعراني في تدوينِه لطبقاتِه كانَ حاطبَ ليلٍ، وداسَ على كُلِّ أبجدياتِ النقدِ التاريخي، وروى مستحيلاتٍ وَخرافاتٍ لا يمكنُ تصديقُها، وقدْ ذكرنا نماذجَ منها؛ كالتي ذكرنَاها هنا، ومتنُها باطلٌ قطعًا يثبتُ صحةَ ما ذكرناه.
وقدْ نقدَها أحدُ الباحثين وبيَّنَ زيفَها وعدمَ صدقِها بقولِه: (وَمِنْ قصصِهم المستغربَةِ التي لا تروجُ إلا على الجهلةِ والمهووسين، أنَّ وليًّا مِنْ أوليائِهم كانَ يختمُ القرآنَ 360 ألفَ ختمةٍ فِي اليومِ والليلةِ، وهذا كلامٌ لولا أنَّ العقولَ قدْ خُدرتْ فكريًّا، وأنَّ النفوسَ قَدْ مُسِخَتْ، وأنَّ القلوبَ قدْ طُبِعَ عليها بخاتمِ الجهلِ وقلةِ الحياءِ؛ ما كانَ ليُصَدَّق فَيُدَوَّنَ فِي كتبِ الكراماتِ!! فإن َّاليومَ والليلةَ زمنٌ يمتدُّ 24 ساعة، أي 1440 دقيقة، فإنَّ 360 ألف ختمة ÷ 1400 دقيقة =250 ختمة فِي كُلِّ دقيقةٍ!! فأينَ العقول؟!)([23]).
فهلْ يعقلُ؟! وهلْ يمكنُ أنَّ إنسانًا يختمُ القرآنَ كلَّه 250 ختمة فِي كُلِّ دقيقةٍ؟!
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.