التعريف اللغوي:
إن التوبة مصدر الفعل تاب، وأصل هذه المادة: التاء، والواو، والباء، (توب)، وهي تدور حول معاني الرجوع والعودة، والإنابة، والندم([1]).
قال ابن فارس: (توب: التاء والواو والباء كلمة واحدة، تدل على الرجوع، يُقال: تاب من ذنبه؛ أي رجع منه، يتوبُ إلى اللهِ توبةً ومتابًا، فهو تائب، والتوب والتوبة؛ قال تعالى: {وَقَابِلِ التَّوْبِ} [غافر: 3])([2]).
وقال الفيروزآبادي: (تابَ إلى اللهِ توبًا وتوبةً ومتابًا وتابةً وتتوبةً؛ رجعَ عن المعصية، وهو التائب وتواب، تابَ اللهُ عليه: وَفَّقَه للتوبة، أي رجع به من التشديد إلى التخفيف، أو رجع عليه بفضله وقبوله، وهو تواب على عباده)([3]).
وقال الأزهري: (أصل تاب: عاد إلى الله ورجع وأناب، وتاب اللهُ عليه: عاد بالمغفرة، وقال عز وجل: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا} [النور: 31]، أي عودوا إلى طاعته وأنيبوا، واللهُ التوابُ يتوب على عبده بفضله إذا تاب إليه من ذنبه، واستتبتُ فلانًا أي عرضت عليه التوبةَ مما اقترف، أي الرجوع والندم على ما فرط منه)([4]).
ويتبين من خلال هذه النقول أن التوبة في اللغة، هي الرجوع والعودة والإنابة، أو على المعنى الأخص هي الرجوع من الذنب والتقصير إلى الطاعة والاجتهاد، وتكون من العبد إلى الله، وتكون من الله على العبد، فإذا كانت من العبد عُديت بـ"إلى"، وإذا كانت من الله عُديت بـ"على"، وتكون بمعنى قبول توبة العبد.
التوبة لغةً: الرجوع من الذنب، وفي الحديث: ((النَّدَمُ توبةٌ))([5])، والتوبة مثله، وقال الأخفش: (التوب جمعُ توبة، مثل عزمة وعزم، عومة وعوم)([6])، وتاب إلى اللهِ يتوب توبًا وتوبةً ومتابًا: أي أناب ورجع عن المعصية إلى الطاعة، وتاب اللهُ عليه: وَفَّقَهُ لها، أي للتوبة([7]).
ولملاحظة الدلالة اللغوية أن كلمة التوبة تعني الأوب؛ لقوله تعالى: {فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء: 25]، (حدثنا ابنُ بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في هذه الآية: {فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا} قال: الراجعين إلى الخيرِ)([8]).
({فَإِنَّهُ} تعالى شأنه، {كَانَ لِلْأَوَّابِينَ} أي الراجعين إليه تعالى التائبين عما فرط منهم، مما لا يكاد يخلو منه البشر، {غَفُورًا} لِمَا وقع منهم من نوع تقصير أو أذية)([9]).
ومن اشتقاقات كلمة التوبة التوب؛ لقوله تعالى: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} [غافر: 3]، و(توب) التاء والواو والباء كلمة واحدة تدل على الرجوع، يُقال: تاب من ذنبه، أي رجع عنه، يتوب إلى اللهِ توبةً ومتابًا، فهو تائب، والتوب التوبة([10])، فالتوبة هي: مِنْ تَابَ يتوبُ إذا رجع.
ثانيًا ـ التعريف الشرعي:
إذا كان كلُّ ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون، وإذا كانت الأخطاء والذنوب والمعاصي ترجع إلى أصلين: ترك مأمور، وفعل محظور، فالتوبة التي قلنا إنها في اللغة الرجوع عن مسلك الطاعة، فهي في الشرع تشمل الرجوع إلى الله بفعل ما أمر اللهُ به، وترك ما نهى عنه.
وإن كان الذنب في الأمور الاعتقادية تكون التوبة بالقلب، وذلك بالرجوع عن الاعتقادات الفاسدة إلى الاعتقادات الصحيحة، وإن كان الذنب في الأمور العملية، فالتوبة تكون بالجوارح، وذلك بالرجوع عن المعاصي العملية إلى الطاعات العملية.
وقد عَرَّفَ الجرجاني التوبة بقوله: (هي الرجوعُ إلى اللهِ بحل عقدة الإصرار عن القلب، ثم القيام بكلِّ حقوق الرب)([11]).
ويقول الراغب: (التوبةُ تركُ الذنب على أجمل الوجوه، وهو أبلغُ وجوه الاعتذار، فإن الاعتذار على ثلاثة أوجه: إما أن يقول المعتذرُ: لم أفعل، أو يقول: فعلتُ لأجلِ كذا، أو: فعلتُ وأسأتُ وقد أقلعتُ، ولا رابع لذلك، وهذا الأخير هو التوبة)([12]).
ويقول شيخ الإسلام - رحمه الله -: (التوبةُ هي جماع الرجوع من السيئات إلى الحسنات)([13]).
ويقول أيضًا: (التوبة رجوعٌ عما تاب منه إلى ما تاب إليه، فالتوبة المشروعة هي الرجوع إلى الله، وإلى فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه، وليست التوبة من فعل السيئات فقط)([14]).
ويقول ابنُ القيم - رحمه الله -: (فإن حقيقة التوبة: الرجوعُ إلى الله بالتزام فعل ما يحب، وترك ما يكره، فهي رجوعٌ من مكروهٍ إلى محبوبٍ، فالرجوع إلى المحبوب جزءُ مسماها، والرجوعُ عن المكروه الجزءُ الآخر)([15]).
ويقول أيضًا: (التوبة هي الرجوع مما يكرهه اللهُ ظاهرًا وباطنًا إلى ما يحبه ظاهرًا وباطنًا)([16])، ويقول أيضًا: (فحقيقةُ التوبةِ هي الندمُ على ما سلف منه في الماضي، والإقلاع عنه في الحال، والعزم على أن لا يعاوده في المستقبل)([17]).
إذًا التوبة في مفهوم الشرع هي جامعة لأمرين: الرجوع عن ترك المأمور إلى فعله، والرجوع عن فعل المحظور إلى تركه، ظاهرًا وباطنًا، مع العلم بقبح حاله، والندم على فعله، والعزم على ألا يعود إليه إذا قدر، والتدارك لما يمكن تداركه من التقصير، مع إخلاص تام للهِ، ورجاء ثوابه وخوف عقابه([18]).
الهوامش:
([1]) انظر: لسان العرب، ابن منظور، ابن منظور، (2/244)، ومعجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس، ص(157)، وتهذيب اللغة، محمد الأزهري الهروي، (14/332).
([6]) معاني القرآن، الأخفش، المحقق: الدكتور فائز فارس، دار البشير ودار الأمل، (1401هـ، 1981م)، (2/459).
([9]) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، الألوسي، دار النشر: إدارة الطباعة المنيرية، تصوير دار إحياء التراث العربي، بيوت - لبنان، (15/62).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.