الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، ثم أما بعد؛
1 - معنى الإماتة في اللغة:
الموت في اللغة ذهاب القوة من الشيء، قال ابن فارس: "الميم والواو والتاء أصل صحيح يدل على ذهاب القوة من الشيء، منه الموت خلاف الحياة.. والموتان: الأرض لم تحي بعد بزرع، ولا إصلاح".
والموت ضد الحياة. وأماته الله وموّته شدد للمبالغة. وأمَاتت الناقة إذا مات ولدها، فهي مُميت ومُميتة، وأمات فلان إذا مات له ابن أو بنون. وقبضه الله: أماته. وتوفاه الله: أماته.
والموات بالفتح مالا روح فيه. وقول العرب ما أموته إنما يراد به ما أموت قلبه. ورجل موتان الفؤاد، وامرأة موتانة الفؤاد.
والعرب تقول: اشتر الموتان ولا تشتر الحيوان، أي اشتر الأرض والدور، ولا تشتر الرقيق والدواب.
وعلى هذا فالموت في اللغة ضد الحياة، وهو ما لاروح فيه، كما يعني ذهاب القوة من الشيء فتكون الإماتة إذهاب قوة الشيء.
2 - معنى الإماتة في الشرع:
ورد فعل الإماتة في القرآن الكريم "أمات" بتصريفاته، كما جاء لفظ الموت والموتى والميت ونحوها من تفريعات هذه المادة، والذي يهم هنا هو ما كان قريباً من المصدر "الإماتة" وهو فعل الإماتة. وقد جاءت الإماتة بمعنى إخراج الروح من الجسد، أو قبض الأرواح كما في قوله - تعالى -: {فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ} [البقرة - 259] وقوله - تعالى -: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [عبس - 21] ، يقول الطبري - رحمه الله - عند شرح قوله - تعالى -: {وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ} [البقرة - 28] الإماتة: "هي خروج الروح من الجسد"، وقال: "ثم يميتكم بقبض أرواحكم، وإعادتكم كالذي كنتم قبل أن يحييكم؛ من دروس ذكركم، وتعفي آثاركم، وخمول أموركم".
ويقول ابن القيم - رحمه الله -: "موت النفوس هو مفارقتها لأجسادها، وخروجها منها".
وقوله - تعالى -: {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [غافر - 11] وقوله - تعالى -: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ} [البقرة - 28] ، والإماتة هنا تعني جعلهم أمواتاً في أصلاب آبائهم، لم يكونوا شيئاً، يقول ابن القيم - رحمه الله -: "فكانوا أمواتاً وهم نطف في أصلاب آبائهم، وفي أرحام أمهاتهم، ثم أحياهم بعد ذلك، ثم أماتهم، ثم يحييهم يوم النشور".
ويذكر الشوكاني - رحمه الله - قولين في معنى قوله - تعالى -: {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [غافر - 11] فيقول: "والمراد بالإماتتين أنهم كانوا نطفاً لا حياة لهم في أصلاب آبائهم، ثم أماتهم بعد أن صاروا أحياء في الدنيا..وقيل: معنى الآية أنهم أميتوا في الدنيا عند انقضاء آجالهم، ثم أحياهم الله في قبورهم للسؤال، ثم أميتوا ثم أحياهم الله في الآخرة، ووجه هذا القول أن الموت سلب الحياة، ولا حياة للنطفة، ووجه القول الأول أن الموت قد يطلق على عادم الحياة من الأصل، وقد ذهب إلى تفسير الأول جمهور السلف".
وما ذهب إليه جمهور السلف هو الصحيح، فقد ورد في القرآن إطلاق لفظ الموت على الجماد، كالأصنام التي كان يعبدها المشركون، قال - تعالى -: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النحل20 - 21] قال المفسرون: "وهي هذه الأوثان التي تعبد من دون الله، أموات لا أرواح فيها ".كما وصف الله الأرض بالميتة، قال - تعالى -: {وَآيَةٌ لَهُمْ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ} [يس - 33] .
وقد اختلف في الموت هل هو وجودي أو عدمي، قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: "وكثير من النزاع في ذلك يكون لفظياً، فإنه قد يكون عدم الشيء مستلزماً لأمر وجودي، مثل الحياة مثلاً فإن عدم حياة البدن مثلاً مستلزم لأعراض وجودية، والناس تنازعوا في الموت هل هو عدمي أو وجودي، ومن قال إنه وجودي احتج بقوله - تعالى - {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} [الملك - 2] ، فأخبر أنه خلق الموت، كما خلق الحياة. ومنازعه يقول العدم الطارئ يخلق كما يخلق الوجود، أو يقول الموت المخلوق هو الأمور الوجودية اللازمة لعدم الحياة وحينئذ فالنزاع لفظي".
وفي السنة ورد لفظ أمات ويميت ونحوها، فمن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور"، "والمراد بأماتنا: النوم ". وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت.."، والإماتة هنا تعني قبض الأرواح. وفي الحديث أيضاً قوله: "اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه"، ومعنى الإماتة هنا إبطال العمل بشرع الله.
ومن خلال النقول السابقة يمكن أن نتبين تعريف أهل السنة للإماتة وهو: أن الإماتة صفة فعلية قائمة بذات الرب - تعالى -، متعلقة بقدرته ومشيئته، اختص بها، وتعني إخراج الروح من الجسد، وسلب الحياة منه.
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.