الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، ثم أما بعد؛
1 - الإبداع في اللغة:
قال الخليل: "البَدْع إحداث شيء لم يكن له من قبل خلق، ولا ذكر، ولا معرفة. والله بديع السموات، والأرض، ابتدعهما، ولم يكونا قبل ذلك شيئاً يتوهمهما متوهم، وبدع الخلق. والبِدْع الشيء الذي يكون أولاً في كل أمر، كما قال الله - عز وجل -: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنْ الرُّسُلِ} [الأحقاف - 9] أي لست بأول مرسل.. والبدعة اسم ما ابتدع من الدين وغيره، ونقول لقد جئت بأمر بديع، أي مبتدع عجيب، وابتدعت جئت بأمر مختلف لم يعرف"[1]. وقال الجوهري: "أبدعت الشيء، اخترعته لا على مثال"[2].
فالإبداع إحداث الشيء بعد أن لم يكن له خلق ولا ذكر، وعلى نحو غير مسبوق.
2 - معنى الإبداع عند أهل السنة:
ورد في كتاب الله - تعالى - قوله - سبحانه -: {بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [البقرة - 117، الأنعام - 101] ، والبديع هو المبدع أي المنشيء، والمحدث، مالم يسبقه إلى إنشاء مثله، وإحداثه، أحد. يقول الطبري - رحمه الله -:"يعني جل ثناؤه بقوله: {بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}، مبدعها، وإنما هو مفعل صرف إلى فعيل، كما صرف المؤلم إلى أليم، والمسمع إلى سميع، ومعنى المبدع المنشيء، والمحدث، مالم يسبقه إلى إنشاء مثله، وإحداثه، أحد. ولذلك سمي المبتدع في الدين مبتدعاً لإحداثه فيه ما لم يسبقه إليه غيره، وكذلك كل محدث فعلاً أو قولاً لم يتقدمه فيه متقدم فإن العرب تسميه مبتدعا "[3].
ويقول شيخ الإسلام - رحمه الله - مبيناً معنى الإبداع أنه: "خلق الشيء على غير مثال"[4]، وقال - رحمه الله -: "والإبداع خلق الشيء بمشيئة الخالق وقدرته، مع استقلال الخالق به، وعدم شريك له"[5].
وقال ابن القيم - رحمه الله -:"الإبداع إيجاد المبدع على غير مثال سبق"[6]. وقد سبق أن ذكرت أن الخلق هو الإبداع بتقدير[7]. فالإبداع يفسر بالخلق والخلق يفسر بالإبداع، أي أنه - سبحانه - يخلق بإبداع.
وقال ابن القيم - رحمه الله -:"وكذلك مبدع الشيء، وبديعه، لا يصح إطلاقه إلا على الرب كقوله: {بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [البقرة - 117، الأنعام - 101] "[8].
فالإبداع من خصائص الربوبية[9]، وهو صفة فعلية للرب - تعالى - قائمة بذاته، متعلقة بقدرته ومشيئته، وتعني إنشاء الشيء وإحداثه على مثال غير مسبوق.
الهوامش:
[1] العين 2/54، وانظر: الصحاح 3/1183 - 1184، لسان العرب 8/6، المصباح المنير 1/38.
[2] الصحاح 3/1183، وانظر: معجم مقاييس اللغة 1/209.
[3] تفسير الطبري 1/508.
[4] درء التعارض 7/369.
[5] درء التعارض 7/369.
[6] شفاء العليل ص132.
[7] انظر: مجموع الفتاوى 2/211، والبحث ص168.
[8] شفاء العليل ص132.
[9] انظر: مجموع الفتاوى 6/67.
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.