الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد؛ فإن من أنواع العبادة: (التوسل)
التوسل لغة: التقرب.
وشرعًا: التقرب إلى الله تعالى بما أمر به أو أمر به رسوله صلى الله عليه وسلم من صالح الأقوال والأعمال.
ولما كان التوسل عبادة وقربة إلى الله، فيتعين أن يكون على وفق ما شرعه الله تعالى في كتابه أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم.
وقد دل الكتاب والسنة على أن التوسل المشروع ثلاثة أنواع:
- التوسل إلى الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى:
والدليل قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180]، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أهمه وأحزنه أمر قال: " يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث"[1]، ولقد دلت الأدلة الصحيحة على أن المسلم يستحب له أن يسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته العلى، كأن يقول مثلًا: اللهم إنك أنت الغفور الرحيم فاغفر لي وارحمني.
- التوسل إلى الله تعالى بالإيمان والأعمال الصالحة:
وذلك أن يذكر المسلم بين يدي دعائه عملًا صالحًا قام به لله سبحانه وتعالى فيسأل الله تعالى به، والدليل قوله تعالى عن أهل الإيمان: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} [آل عمران: 193].
والدليل من السنة حديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة فسدت عليهم باب الغار فلم يستطيعوا الخروج، فتوسلوا إلى الله تعالى بصالح أعمالهم ففرج الله عنهم فخرجوا يمشون، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " انطلق ثلاثة رهط ممن كان قبلكم حتى أووا المبيت إلى غار، فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل، فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فقال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلا، ولا مالا فنأى بي في طلب شيء يوما، فلم أرح عليهما حتى ناما، فحلبت لهما غبوقهما، فوجدتهما نائمين وكرهت أن أغبق قبلهما أهلا أو مالا، فلبثت والقدح على يدي، أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر، فاستيقظا، فشربا غبوقهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك، ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج ..." الحديث[2].
- التوسل إلى الله تعالى بدعاء الصالحين الأحياء:
وذلك كأن يقع المسلم في كرب شديد فيسأل أحد الصالحين الأحياء أن يدعو له ربه ليفرج عنه كربته، فهذا توسل مشروع، لاسيما إذا استحضر صاحب الحاجة أن أخاه الداعي له يحصل له الوعد الكريم في قوله صلى الله عليه وسلم: " دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير، قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل "[3].
والدليل على هذا التوسل ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يدخل الجنة من أمتي زمرة هي سبعون ألفا، تضيء وجوههم إضاءة القمر" فقام عكاشة بن محصن الأسدي، يرفع نمرة عليه، قال: ادع الله لي يا رسول الله أن يجعلني منهم، فقال: "اللهم اجعله منهم"[4].
وإذا عرفت التوسل الشرعي وأدلته، فإن التقرب والتوسل إلى الله تعالى بلا دليل صحيح يعد ابتداعًا وإحداثًا في دين الله تعالى، فالتوسل البدعي: التقرب إلى الله تعالى بما لم يشرعه الله تعالى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد"[5].
وأنواع التوسل البدعي كثيرة نذكر منها ما يلي:
- التوسل إلى الله تعالى بالجاه: كأن يتوسل إلى الله بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو بجاه غيره، فهذا توسل مبتدع، لأنه لم يثبت به الدليل.
- التوسل إلى الله تعالى بذوات الصالحين: كأن يقول مثلًا اللهم إني أتوسل بعبدك فلان، فلا يجوز هذا التوسل، لعدم ورود الدليل عليه ، فلم يجعل الله تعالى التوسل بالصالحين سببًا للإجابة، ولم يشرعه لعباده.
الهوامش:
[1] رواه الترمذي، أبواب الدعوات، رقم الحديث: (3524).
[2] رواه البخاري، كتاب الإجارة، باب من استأجر أجيرا فترك الأجير أجره، فعمل فيه المستأجر فزاد، أو من عمل في مال غيره، فاستفضل، رقم الحديث: (2272).
[3] رواه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب، رقم الحديث: (2733).
[4] رواه البخاري، كتاب اللباس، باب البرود والحبرة والشملة، رقم الحديث: (5811).
[5] رواه مسلم، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، رقم الحديث: (1718).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.