الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ شبهةُ استدلالهم بقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا} [الفرقان: 60]، قالوا: وفي هذا دلالة على أنهم لا يسجدونَ إلا لأصنامِهم، ولا يعتقدون إلهًا غيرها([1]).
الرد:
أولًا: ظاهرُ استدلالهم بهذه الآيةِ هو أن المشركين كانوا ينكرون وجودَ اللهِ تعالى، ومنكرون لربوبيته سبحانه، فإن كان هذا مرادُهم باستدلالِهم فهو مصادمةٌ لصريحِ المنقولِ والمعقولِ، ومعارضةٌ لما يقرُّون به هم من وقوعِ الشركِ عند كفارِ قريش، إذ لا معنى للشركِ مع وجود هذا الإنكار، وإن قالوا: إن المعنى ليس هذا، فيُقال لهم إذًا: لا معنى لاستدلالِكم بالآيةِ على ما تريدون، ولا وجهَ لكم فيها على أن كفارَ قريش كانوا يعتقدون مشاركةَ آلهتِهم للهِ تعالى في الربوبية.
ثانيًا: هذا الإنكارُ الواقعُ من كفارِ قريش هو لاسم (الرحمن)، ويدلُ عليه ما كان في صلحِ الحديبيةِ لما أمرَ النبيّ ُصلى الله عليه وسلم الكاتبَ أن يكتبَ (بسم الله الرحمن الرحيم)، قال سهيل بن عمرو: أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو، ولكن اكتب (باسمك اللهم)([2])...، فالإنكارُ متوجهٌ إلى الاسم لا المسمَّى.
قال الألوسي في تفسيره: »وقيل: سألوا عن ذلك لأنهم ما كانوا يطلقونه على اللهِ كما يطلقون الرحيمَ والرحومَ والراحمَ عليه، أو لأنهم ظنوا أن المراد غيره عز وجل، فقد كانوا شاعَ فيما بينهم تسميةَ مسيلمة برحمنِ اليمامة« ([3]).
ثالثًا: قد قيل في إنكارهم هذا: إنه إنكارُ عارفٍ بالأمرِ متجاهلٍ له ليردَّ الحقَّ الذي مع خصمه، ويبطلَ حجته بما هو لجاج لا يحمل أي حجة([4]).
رابعًا: قد يكون إنكارُهم راجعًا إلى إنكارِهم رسالةَ النبي صلى الله عليه وسلم، وأن ما جاء به هو - عندهم - إفكٌ افتراه وأعانه عليه قومٌ آخرون، وأنه أساطيرُ الأولين، فإذا أمرهم بعبادةِ اللهِ تعالى وحده والسجودِ له وحده أنكروا ذلك وردوا عليه ساخرين هازئين: (وما الرحمن؟)، كما قد قالوا له: انسِب لنا ربك؟!([5])، فهم أرادوا أن ما جاء به ليس من عندِ اللهِ تعالى، فأنكروا من أمره وأوحى إليه باعتبارِ أنه أمر من عند نفسه لا من عند الله([6]).
الهوامش
([2])رواه البخاري، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب،(2731، 2732)، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم.
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.