الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ شبهةُ ماجاء في فضلِ هذه الأمةِ وبقاء أمرِها إلى قيامِ الساعةِ؛ فقد تعلقوا فيها بالنصوصِ الدالةِ على هذا، ومن ذلك قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آلعمران: 110]، وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]، ومن ذلك قولُ النبي صلى الله عليه وسلم:» من يُرِد اللهُ به خيرًا يفقه في الدين، وإنما أنا قاسمٌ، واللهُ يعطي، ولن يزال أمر هذه الأمةِ مستقيمًا حتى تقوم الساعةُ أو حتى يأتي أمرُ اللهِ تعالى« ([1])، وما كان في هذا المعنى من النصوصِ الدالةِ على فضلِ الأمةِ وعصمتِها([2])، ويذكرون في تلك تنصيصَ العلماءِ على تكفيرِ من ضلَّلَ هذه الأمة، كما قال القباني: »نقول إن الأمة قد أجمعت على تكفير من ضلل الأمة، وممن نقلَ الإجماعَ علماءُ الحنابلة« ([3]).
الرد:
أولًا: هذا الاستدلالُ في غيرِ محلِّ النزاعِ، فأهلُ السُنةِ لا يخالفون في فضلِ هذه الأمة، وأنها أفضل الأممِ وأسبقها وأوسطها، وأن أمرَها باقٍ إلى أن يأتي أمرُ الله تعالى، وأنها لا تزال منها طائفة على الحقِّ منصورة، وأنها أكثر أهلِ الجنة، فكلُ هذا وما في معناه مما دلت به النصوص المستفيضةُ على فضلِ هذه الأمة لا يخالفُ فيه أهلُ السُنة، بل يؤمنون به ويرون ضلالَ من اعتقد غيره.
ثانيًا: محلُّ النزاعِ هو: هل هذه الأمةُ يقع فيها الشركُ أم لا؟ وليس في كونِ الأمةِ تُشركُ كلُّها أم لا، فالمبتدعة قد ألزموا أهلَ السُنة بما ليس بلازمٍ، إذ أن إثبات وقوعِ طوائف أو أفراد من الأمةِ في الشركِ لا يعني أبدًا أن الأمةَ أشركت كلُّها وصارَ أمرُ جميعِهم إلى ضلالْ وغواية.
ثالثًا: جاءت النصوصُ واضحةٌ في وقوعِ طوائف من الأمةِ في أنواعٍ من الضلالِ مما قد يصلُ إلى الشركِ باللهِ تعالى، وليس هذا بمعارضٍ للنصوصِ الدالةِ على بقاءِ أمرِ هذه الأمةِ وفضلِها - ولله الحمد -، فلئن أشركَ من أشركَ، وكفرَ من كفرَ بعد إيمانه، فالأمةُ لن تخلو في زمن من الأزمان من أهلِ الإيمانِ والتوحيدِ، ينصر الله تعالى بهم دينه، ويعلي بهم كلمتَه، لا يضرُّهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمرُ الله.
الهوامش
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.