الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد؛ عن أبي ذر رضي الله عنه قال: (وددتُ أنَّ اللهَ خلقني يومَ خلقني شجرةً تُعضد)([1])، وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: (وددتُ أنِّي رمادًا تذروني الرياحُ)([2]).
وعن مسروق بن الأجدع قال: (قال رجلٌ عند عبدِ اللهِ بن مسعود رضي الله عنه: ما أحبُّ أنْ أكونَ من أصحابِ اليمين، أكون من المقربين أحبُّ إليَّ، فقال عبدُ الله: لكن هاهنا رجلٌ ودَّ أنه إذا ماتَ لا يُبْعَث - يعني نفسه -)([3]).
وقال أبو الدرداء: (لو تعلمون ما أنتم راءون بعد الموتِ؛ لما أكلتم طعامًا على شهوةٍ، ولا شربتم شرابًا على شهوةٍ، ولا دخلتم بيتًا تسكنون فيه، ولخرجتُم إلى الصعيدِ تضربون صدورَكم، وتبكون على أنفسِكم، ولوددتُ أَنِّي شجرة تُعضد، ثم تُؤكل)([4]).
ولما نزل الموتُ بحذيفة بن اليمان رضي الله عنه جزعَ وبكى، فقيل له: (ما يبكيك؟ قال: ما أبكي أسفًا على الدنيا، بل الموت أحبُّ إليَّ، ولكني لا أدري على ما أقدم؛ على الرضا أم على السخط)([5]).
وبكى أبو هريرة رضي الله عنه في مرضه فقيل له: (ما يبكيك؟ فقال: ما أبكي على دنياكم هذه، ولكن أبكي على بُعد سفري، وقلةِ زادي، فإني أمسيتُ في صعودٍ مهبطُه على جنةٍ أو نارٍ، ولا أدري أيتهما يُؤخذ بي)([6]).
وقال أبو عبيد بن الجراح رضي الله عنه: (وددتُ أني كبشًا، فيذبحني أهلِي فيأكلون لحمِي، ويحسون مرقي)([7]).
عن ثابت قال: (كان أبو عبيدة أميرًا على الشام، فخطبَ الناسَ فقال: يا أيها الناس، إنِّي امرؤٌ من قريش، واللهِ ما منكم أحمر ولا أسود، يفضلني بتقى، إلا وددتُ أنِّي في مسلاخِه)([8]).
وعن كعب رضي الله عنه قال: (وددتُ أني كبش أهلي، فأخذوني فذبحوني، فأكلوا وأطعموا أَضْيفَتَهُم)([9]).
عن جعفر بن زيد العبدي: أن أبا الدرداء لما نزل به الموتُ بكى، فقالت له أُم الدرداء: (وأنت تبكي يا صاحب رسولِ اللهِ؟ قال: نعم، وما لي لا أبكي ولا أدري على ما أهجم من ذنوبي؟!)([10]).
وعن أبي رجاء العطاردي قال: (رأيتُ ابنَ عباس - رضي الله عنهما - وأسفل من عينيه مثل الشراك البالي من الدموع)([11]).
وعن سمير الرياحي عن أبيه قال: (شرب عبدُ الله بن عمر - رضي الله عنهما - ماءً مبردًا، فبكى واشتد بكاؤه، فقيل له ما يبكيك؟ فقال: ذكرتُ آيةً في كتابِ اللهِ عز وجل: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} [سبأ: 54]، فعرفتُ أنَّ أهلَ النارِ لا يشتهون شيئًا، شهوتهم الماء؛ وقد قال الله عز وجل: {أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} [الأعراف: 50])([12]).
وعن نافع قال: (دخلَ ابنُ عمر - رضي الله عنهما – الكعبةَ، فسمعته وهو ساجد يقول: قد تعلم ما يمنعني من مزاحمةِ قريش على هذه الدنيا إلا خوفك)([13]).
وعن نافع قال: (كان عبدُ اللهِ بن عمر - رضي الله عنهما - إذا قرأ: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ}، بكى حتى يغلبه البكاءُ)([14]).
وورد أن ابنَ عباس دخل على عائشة عز وجل وهي في الموتِ، فجعل يُرَجِّيهَا، فقالت: (دعني منك يا ابن عباس، فواللهِ لوددتُ أنِّي كنتُ نسيًا منسيًّا)([15]).
وسُئِلت أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه: (هل كان أحدٌ من السلفِ يُغشى عليه من الخوف؟ قالت: لا، ولكنهم كانوا يبكون)([16]).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: (يا ليتني كنتُ لبنةً من هذا اللَّبِن، لا عليَّ ولا ليَّ)([17]).
وعن شداد بن أوس الأنصاري رضي الله عنه، أنه كان إذا دخلَ الفراشَ يتقلبُ على فراشِه، لا يأتيه النومُ، فيقول: (اللهمَّ إنَّ النارَ أذهبت مني النومَ، فيقوم فيصلي حتى يُصبح)([18]).
الهوامش:
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.