الحمد لله والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، ثم أما بعد؛ تبدأ قصة سيدنا نوح عليه السلام عندما أمره الله عز وجل بأن يبني سفينة، كما جاء في الآية الكريمة قال الله تعالى: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} [هود: 37]، ويأخذ فيها من كل حي اثنين وبعد أن صنعها بأمر الله عز وجل وفار التنور وجاء أمر الله عز وجل أمره رب العالمين، فقال له: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود: 40].
فبنى نوح عليه السلام السفينة كما أمره الله عز وجل وهو لا يعلم في البداية أن ابنه سيعصي أمره ويرفض أن يركب في السفينة، ورب العالمين نبهه في الآية السابقة حين قال له عز وجل: {وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ}، وفي الآية التي تلتها حين قال عز وجل: {إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} أي {الَّذِينَ ظَلَمُوا} سبحانه علام الغيوب يعلمنا ما لا نعلم ويمضي حكمه ثم نعلم ما يريدنا أن نعلم.
وفار التنور وطفت السفينة على الماء، كما قال الله تعالى في الآية الكريمة: {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ} [هود: 42]، ولكن ابنه عصى أمره، في قوله تعالى: {قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} [هود: 43]، فرد عليه أبوه الرحيم لأنه يعلم بأمر الله تعالى أن من لم يركب في السفينة فهو من الظالمين، قال الله تعالى: {قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} [هود: 43].
فغرق ابنه وطبيعي جدًا كأي أب حنون يخاف على ابنه من غضب الله تعالى، ثم دعا الله تعالى ليرحم ابنه، كما في قوله تعالى: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} [هود: 45]، رغم أن الله عز وجل نبهه في بداية الأمر كما أسلفنا وقال له: { وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ}، فأنزل عليه رب العالمين الآية في قوله تعالى: {قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود: 46].
فحينئذ ندم نوح عليه السلام ندامة شديدة على ما صدر منه وطلب من الله تعالى المغفرة والرحمة، في قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [هود: 47]، فبالمغفرة والرحمة ينجو العبد من أن يكون من الخاسرين، ودل هذا على أن نوحًا عليه السلام، لم يكن عنده علم، بأن سؤاله لربه، في نجاة ابنه محرم، داخل في قوله {وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ}، بل تعارض عنده الأمران، وظن دخوله في قوله تعالى: {وَأَهْلَكَ}.[1]
الهوامش
[1] تفسر السعدي (1/382)
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.