الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، ثم أما بعد؛
قصة توبة ماعز الأسلمي من الزنا:
لم يحصل في عصره صلى الله عليه وسلم إقامة حد الونى إلا عن طريق الإقرار وذلك في حادثتين اثنتين هما: حادثة ماعز، وحادثة الغامدية وإليك بيانهما.
روى أن (ماعز بن مالك الأسلمي) كان غلامًا يتيمًا في حجر (هزال بن نعيم) فزنى بجارية من الحي فأمره هزال أن يأتي النبي محمد صلى الله عليه وسلم ويخبره بما صنع لعله يستغفر له، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فناداه: يا رسول الله (إني زنيت فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: وحيك ارجع فاستغفر الله وتب إليه، فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله فقال (إني زنيت) فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم فتنحى لشق وجه الذي أعرض قبله فقال (طهرني يا رسول الله فقد زنيت) فقال له أبو بكر الصديق: لو أقررت الرابعة لرجمك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه أبى فقال يا رسول الله (زنيت فطهرني).
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ، أَوْ غَمَزْتَ، أَوْ نَظَرْتَ) قال لا، فسأله رسول الله باللفظ الصريح الذي معناه (الجماع) فقال: نعم، قال: حتى غاب ذلك منك في ذلك منها؟ قال: نعم، قال كما يغيب الميل في المكحلة والرشاة في البئر؟ قال: نعم، فسأله النبي هل تدري ما الزنى؟ قال: نعم أتيت منها حرامًا ما يأتي الرجل أهله حلالاً، قال: فما تريد بهذا القول: قال إني أريد أن تطهرني فأمر النبي صلى الله عليه وسلم به فرجم، فلما أحس مس الحجارة صرخ بالناس: يا قوم ردوني إلى رسول الله فإن قومي قتلوني وغروني من نفسي وأخبروني أن رسول الله غير قاتلي، ولكن ضربوه حتى مات فذكروا فراره لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه وسمع الرسول بعض الصحابة يتكلم عنه ويقول: لقد رجم الكلاب، فغضب وقال: (لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم) وفي رواية أخرى: "والذي نفسي بيده أنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها".[1]
قصة توبة الغامدية من الزنا:
كانت الغامدية صحابية جليلة وكانت متزوجة من صحابي وتعيش في المدينة المنورة، وتتربى على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم روى مسلم في صحيحه أن امرأة تسمى (الغامدية) فَجَاءَتِ الْغَامِدِيَّةُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي، وَإِنَّهُ رَدَّهَا، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَ تَرُدُّنِي؟ لَعَلَّكَ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا، فَوَاللهِ إِنِّي لَحُبْلَى، قَالَ: «إِمَّا لَا فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي»، فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ، قَالَتْ: هَذَا قَدْ وَلَدْتُهُ، قَالَ: «اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ»، فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ، فَقَالَتْ: هَذَا يَا نَبِيَّ اللهِ قَدْ فَطَمْتُهُ، وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ، فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا، وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا، فَيُقْبِلُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ، فَرَمَى رَأْسَهَا فَتَنَضَّحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ فَسَبَّهَا، فَسَمِعَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّهُ إِيَّاهَا، فَقَالَ: «مَهْلًا يَا خَالِدُ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ»، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا، وَدُفِنَتْ[2] .
الهوامش:
[1] صحيح البخاري، كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة، باب الرجم بالمصلى (6/2500)، رقم الحديث (6434
[2] صحيح مسلم، كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنى، (5/120)، رقم الحديث (4528)
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.