فالمحبة تنقسم إلى قسمين[1]:
1- القسم الأول:
"محبة العبودية"، وهذه يجب أن تكون خالصةً لله عز وجل، ومحبة العبودية هي التي يكون معها ذلٌّ للمحبوب، وهذه لا يجوز صرفها لغير الله، كما لا يجوز السجود لغير الله والذبح لغير الله والنذر لغير الله، فإنه لا تجوز محبة غير الله محبة عبودية يصحبها ذلٌّ وخضوع وطاعةٌ للمحبوب، وإنما هذه حقٌّ لله سبحانه وتعالى؛ ولهذا يقول العلامة ابن القيم - رحمه الله - في "النونية":
وعـبادةُ الرحمنِ غاية حبِّه * * * مع ذلِّ عابده هما قطبان
وعليك فَلَكُ العبادةِ دائرٌ * * * وما دارَ حتى قامت القطبان
ومدارُه بالأمرِ أمر رسولِه * * * لا بالهوى والنفسِ والشيطان
ويقول العلماءُ في تعريف العبادة هي: غاية الذل مع غاية الحب، فالعبادة تترَّكز على ثلاثة أشياء: على المحبة وعلى الخوف وعلى الرجاء، فالمحبة والخوف والرجاء هي ركائز العبادة وأساسها، فإذا اجتمعتْ تحقَّقت العبادة ونفعت؛ كالصلاة والحج وسائر العبادات، أما إذا اختلَّتْ هذه الثلاثة فإن الإنسان وإن صام وإن صلى وإن حج فإنها لا تكون عبادته صحيحة.
ويقول العلماء: (من عَبَدَ الله بالمحبة فقط فهو صوفي)؛ لأن الصوفية يزعمون أنهم يعبدون اللهَ لأنهم يحبونه فقط، ويقولون: لا نعبده نخاف من ناره ولا نرجو جنته، وإنما نعبده لأننا نحبه، وهذا ضلال، (ومن عبد الله بالرجاء فقط فهو مرجئ)؛ لأن المرجئة يخرجون الأعمال عن مسمى الإيمان، ("ومن عبد الله بالخوف فقط فهو خارجي)؛ لأن الخوارج يكفِّرُون المؤمنين بالمعاصي.
فالمرجئة أخذوا جانب الرجاء فقط، والصوفية أخذوا جانب المحبة فقط، والخوارج أخذوا جانب الخوف فقط، وأهل السنَّة والجماعة جمعوا بين الأمور الثلاثة - ولله الحمد -: المحبة مع الخوف والرجاء والذل والانقياد والطاعة، وبنوا على ذلك سائر أنواع التعبُّد والتقرُّب إلى الله سبحانه وتعالى.
2- النوع الثاني:
"محبة مشتركة"؛ وهي أربعة أقسام:
القسم الأول: "محبة طبيعية"؛ كمحبة الإنسان للطعام والشراب والمشتهيات المباحة، كالزوجة والملذات.
القسم الثاني: "محبة إجلال"؛ كمحبة الولد لوالده غير المشرك والكافر، فالولد يحب والده محبة إجلال وتكريم واحترام لأنه والده المحسن إليه والمربِّي له، وهذه محمودة ومأمور بها.
القسم الثالث: "محبة إشفاق"؛ كمحبة الوالد لولده، فالوالدُ يحبُ ولدَه محبةَ إشفاق.
القسم الرابع: "محبة مصاحبة"؛ كأن تحب شخصًا من أجل مصاحبتك له، إما لكونه زميلًا لك في العمل، أو شريكًا في تجارة، أو صاحبًا لك في سفر، فأحببتَه من أجلِ المشاركة في شيءٍ من الأشياء[2].
فهذه الأقسام الأربعة من المحبة لا تستلزم التعظيم والذل، ووجودها لا يكون شركًا في محبة الله سبحانه؛ وقد كان صلى الله عليه وسلم يحب نساءَه ويحب أصحابَه رضي الله عنهم أجمعين، وهذه المحبة لا تُذَمُّ إلا إذا زاحمت محبةَ اللهِ ورسولِه؛ بحيث تُضعِفُها أو تُنْقِصُها فتُذَمُّ من هذه الجهة.
وقد ورد لفظُ "الحب" في القرآن والسنة بكل جوانبه الطَّبَعية والشرعية، فالجوانب الفطرية أو الطبيعية مثل: حب الآباء والأبناء والأزواج، وحب المال وسائر الشهوات، ورد ذكرُها في القرآن الكريم والسنة المطهرة، ومن هذه النصوص:
قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران: 14]، وقوله جل شأنه: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الفجر: 20]، وقوله سبحانه: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: 8]، وقوله جل وعلا: {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ} [القيامة: 20].
وعن أبي هريرة قال: ((سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: لا يزال قلبُ الكبيرِ شابًّا في اثنتين: في حبِّ الدنيا وطولِ الأملِ))[3]، وعن أنس بن مالك أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يكبرُ ابنُ آدم ويكبرُ معه اثنان: حبُّ المالِ، وطولُ العمرِ))[4].
الهوامش:
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.