الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد؛ يستدلُّ المبتدعة بجواز البناء على القبور والعكوف عندها بحمل حديث: ((لا تتخذوا قبرِي عيدًا)) على معنى: تابعوا زيارتي، ولا تباعدوا بينها، فتجعلوها كالعيد لا يأتي إلا بعد السنة([1]).
الرد:
أولًا: قال الحافظ ابن عبد الهادي - رحمه الله -: (خرجَ هذا الحديثُ منه صلى الله عليه وسلم مَخْرجَ نهيِه عن اتخاذِ القبورِ مساجد، وعن الصلاةِ إليها، وإيقادِ السُرجِ، ومخرجَ دعائِه ربَّه - تبارك وتعالى - أن لا يجعلَ قبرَه وثنًا، ومخرجَ أمرِه بتسويةِ القبورِ المشرفةِ ونحو ذلك، كلُّ هذا لئلا يحصلُ الافتتانُ بها ...، فاتخاذُ القبرِ عيدًا هو مثلُ اتخاذِه مسجدًا والصلاة فيه، بل أبلغُ وأحقُّ بالنهي، فإن اتخاذَه مسجدًا يصلي فيه للهِ ليس فيه من المفسدةِ ما في اتخاذِه نفسه عيدًا بحيث يعتادُ انتيابَه، والاختلافَ إليه، والزحامَ عنده)([2]).
ثانيًا: قال الإمامُ ابن القيم - رحمه الله -: (وقد حرَّفَ هذه الأحاديثَ بعضُ من أخذَ شُبهًا من النصارى بالشركِ، وشُبهًا من اليهودِ بالتحريفِ، فقال: هذا أمرٌ بملازمةِ قبرِه، والعكوفِ عنده، واعتيادِ قصدِه وانتيابِه، ونهيٌ أن يُجعلَ كالعيدِ الذي إنما يكونُ في العامِ مرةً أو مرتين، فكأنه قال: لا تجعلوه بمنزلةِ العيدِ الذي يكونُ من الحولِ إلى الحولِ، واقصدوه كلَّ ساعةٍ وكلَّ وقتٍ.
وهذا مراغمةٌ ومحادَّةٌ للهِ، ومناقضةٌ لما قصدَه الرسولُ صلى الله عليه وسلم، وقلبٌ للحقائقِ، ونسبةُ الرسولِ صلى الله عليه وسلم إلى التدليسِ والتلبيسِ بعد التناقضِ، فقاتلَ اللهُ أهلَ الباطلِ أنَّى يؤفكون ... ولو أرادَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ما قاله هؤلاء الضُلَّالُ لم يَنْه عن اتخاذِ قبورِ الأنبياء مساجد، ويلعن فاعلَ ذلك، فإنه إذا لعنَ من اتخذها مساجد يعبدُ اللهَ فيها، فكيف يأمرُ بملازمتِها والعكوف عندها؟!)([3]).
الهوامش
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.