هل اتخاذ مقام إبراهيم مصلى من باب التبرُّك بوجود آثار الأنبياء والصالحين؟
يستدلُّ المبتدعة على جواز التبرُّك بذوات الصالحين وآثارهم وقبورهم باتخاذ مقام إبراهيم مصلى؛ لوجود آثار إبراهيم عليه السلام فيه، وفي هذا دلالة على مشروعية التبرك بآثار الأنبياء والصالحين([1])، كما أن هذه شبهة تُذْكَر ليُقاس عليها التبرك بالبقاع التي لم يَرِد تحري العبادة عندها.
الرد:
أولًا: هذا دليل عليهم لو تأملوه؛ إذ أن مردَّ اتخاذِ المقام مُصلى هو الدليلُ الشرعي وليس لكونه أثرًا لإبراهيم عليه السلام، بحيث لو لم يَرِدْ في كتاب الله تعالى ولا سُنة نبيه عليه الصلاة والسلام لما كان أن يشرع اتخاذه مصلى، ولعدَّ ذلك من المُحْدَثات، فاتخاذُ مقام إبراهيم مصلى أمرٌ تعبدي دلَّ عليه الدليلُ الشرعي.
ثانيًا: كان عمر رضي الله عنه يَنْهِي عن تقصُّدِ الأماكن التي صلَّى فيها النبيُّ عليه الصلاة والسلام اتفاقًا، إذ أن ذلك الاتفاق ليس دليلًا على اتخاذها مصلى، فعدَّ ذلك من المُحدثات التي تهلك بها الأمة؛ فعن المعرور بن سويد، قال: خرجنا مع عمر في حجة حجها فقرأ بنا في الفجر: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل: 1]، و{لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} [قريش: 1]، فلما قضى حجَّه ورجع والناس يبتدرون، فقال: »ما هذا؟ فقالوا: مسجدٌ صلَّى فيه رسولُ الله عليه الصلاة والسلام، فقال: هكذا هلكَ أهلُ الكتابِ، اتخذَوا آثارَ أنبيائِهم بِيَّعًا، من عَرَضَتْ له منكم فيه الصلاةُ فليُصَلِّ، ومن لم تَعرضْ له منكم فيه الصلاةُ فلا يصلِّ«([2]).
([2]) رواه ابن أبي شيبة في المصنف، ص(2/151)، وعبد الرزاق في المصنف، ص(2/118)، وابن وضاح في "البدع والنهي عنها"، ص(41-42)، وصححه ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى، ص(1/281)، ولكنه قال: (كما ثبت بالإسناد الصحيح من حديث شعبة عن سليمان التيمي عن المعروف بن سويد ...) وذكر الأثر.
قلتُ: ولعل الكلام فيه وهم أو تصحيف؛ إذ أن الراوي هو (المعرور) وليس (المعروف)، والراوي عنه هو الأعمش، وهو سليمان بن مهران الكاهلي، وليس سليمان التيمي، والأعمش هو الذي تذكر روايته عن المعرور، انظر: تهذيب التهذيب، ابن حجر، ص(10/207)، والله أعلم.
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.