الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وصحابته أجمعين.
أما بعد:
فبين يديك كتاب في وحدة الوجود لأحد أتباع الطرق الصوفية ننقل منه بعض النصوص ليعرف القارئ الكريم إلى أي مرحلة وصل إليها الصوفية من الخرافة وليكن على حذر من القوم.
يقول عبد الرحمن العيدروس([1]) في مقدمة كتابه لطائف الجود في مسألة وحدة الوجود([2]):
باسم الله بداية ونهاية، والحمد لله رواية ودراية، وأصلي وأسلم على الأول والآخر والباطن والظاهر وعلى آله وأصحابه الراتعين في بساتين المظاهر.
أما بعد، فهذه لطائف تتعلق بمسألة الوحدة، القائل بها أهل المعارف.
* ملحوظات:
أولاً: قوله: (وأصلي وأسلم على الأول والآخر والباطن والظاهر).
نعلم أن الأول والآخر والباطن والظاهر هي من صفات الله تعالى، لكنه هنا جعلها صفات للرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا هو ما يسمونه الحقيقة المحمدية إذ يعتبرون أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو المجلي الأعظم للذات الإلهية، أي إن أعظم ظهور لله سبحانه هو في شخص محمد صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: قوله: (...بمسألة الوحدة، القائل بها أهل المعارف)، حيث يبين لنا ماذا يعنون بمصطلح (العارف) كما يبين أن أهل المعارف يدينون بوحدة الوجود.
وهو تصريح يشكر عليه.
ويقول في نفس الكتاب (اللطيفة الثالثة):
قال الشيخ الأكبر -نفع الله به- في الباب الثامن والأربعين والمائة من (الفتوحات المكية): الحق خلق، وما الخلق حق!
قال أهل المعرفة -نفع الله بهم-: ذلك لأن الإطلاق الحقيقي ذاتي للحق، فلا تقيده الأكوان بظهور تعيناتها في تجلية المنبسط عليها.
والخلق مقيد، والقيد ذاتي له، لأن الخلق عبارة عن تعين خاص في الوجود المنبسط، اقتضته ماهيته الثابتة.
فلو ارتفع القيد لم يكن خلق، فلا يصح أن يقال: الخلق عين الحق، لأن المقيد الذي يكون القيد ذاتياً له، لا يكون عين المطلق الذي يكون الإطلاق ذاتياً له. بخلاف أن يقال: الحق عين الخلق، فإنه صحيح، لأن المطلق الحقيقي لا تقيده الأكوان، فتجليه فيها لا ينافي التنزيه بـ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)) [الشورى:11].
- وهكذا أخضعوا الله- جل وعلا- وصفاته لعلم الكلام.
ويقول في نفس الكتاب: (اللطيفة السادسة: علمُ وحدة الأفعال، ووحدة الصفات، ووحدة الذات، من غير مباشرة ذلك ذوقاً وكشفاً وشهوداً، ليس لغير الخاصة، وأما الخواص فلهم مباشرة ذلك كشفاً.
...وإذا كان السالك في مباشرة (وحدة الأفعال) قَدِرَ على طي الأرض واختراق الهواء والمشي على الماء والإشباع بالقليل مكان الكثير والارتواء بالقليل، ونحو ذلك.
وإذا كان في مباشرة (وحدة الصفات) سمع في تجلي صفة السمع له جميع الأشياء ناطقة، من جماد ونبات وحيوان، لأنه بالحق يسمع لا بنفسه، وكذلك يبصر في (تجلي صفة البصر له) جميع المُبْصَرات، ولا يحجبه شيء عن شيء، لأنه بالحق يبصر، وكذا جميع بواقيه (أي: بواقي الحديث) كما ورد: فبي يبصر وبي يسمع وبي يبطش إلى آخره.
وإن كان في مباشرة (وحدة الذات) كان بحسبها، لأنها تعود الأسماء الذاتية عنده كالملونة لون إنائه، فيتصف به (أي: بالله) بقبول الألوان كلها؟ فلا يدري العبد من هو لشهود الحق بالحق بلا نسبة شهود له، بل كـ ((شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ)) [آل عمران:18] و((وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا)) [النساء:79] و((وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)) [المجادلة:6]، فتتصل الشاهد بالشاهد في جميع المشاهد والشواهد. اهـ.
- وحدة الأفعال: أي ليس في الوجود إلا فاعل واحد، وكل فعل، كائناً ما كان، فهو فعل الواحد الذي لا فاعل غيره، وقد مر معنا معنى مصطلح (فعل الله) عندهم، يعني حركته.
- وحدة الصفات: لا يوجد إلا حي واحد وسميع واحد وبصير واحد ومتكلم واحد...فجميع الذين يتصفون بالحياة والسمع والبصر والكلام و...و...هم واحد، وهو الله.
- وحدة الذات: وهي أن يرى كل الممكنات هي من ذات الحق، ويشرحها عبد الرحمن العيدروس شرحاً أوضح عندما يقول: كـ((شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ)) [آل عمران:18].. أي إن الواصل يشهد أنه هو نفسه الله الذي لا إله إلا هو. ويشهد وحدة ذاته وذات كل شيء مع الذات الإلهية مثل: و((وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا)) [النساء:79]، أي لا شهيد غيره.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.
اقتبس هذا المقال من كتاب: (الكشف عن حقيقة الصوفية لأول مرة في التاريخ) للمؤلف: (محمود عبد الرؤوف القاسم).
الهوامش
([1]) عبد الرحمن بن مصطفى العيدروس، ولد في مدية (تريم) في حضرموت، تنقل ثم استقر في مصر، ومات فيها سنة (1192هـ).
([2]) كتاب من (14 صفحة) فقط، والكتابة في أكثر صفحاته لا تتجاوز الصفحة.
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.