الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ يلح علينا هذا السؤال المرة تلو الأخرى: ما هي المشكلة التي ستلحق بالأمَّة إن وُسِدَ أمرها إلى أرباب التصوف؟
وللإجابة على هذا التساؤل لابد لنا من معرفة الواقع المعاصر الذي تعيشه الطُّرق الصُّوفية.
ولتكن صياغة السؤال كالتالي: ما المظاهر والسِّمات التي برز بها التَّصوف المعاصر؟وهل اختلف عن التصوف السَّابق في كلِّ شيءٍ أم هو تغيُّر في الخطاب مع ثباتٍ على الأصول العقائديَّة؟
وما سنذكره هنا من سمات لا ندَّعي تفرد التَّصوف المعاصر بها ولكنها بلا شك تجسد مكونًا له.
إن أبرز المظاهر التي ظهر بها التصوف في الواقع المعاصر هي:
1- نَشْر القبوريِّة والموالد البدعيَّة والأوراد الخرافية بين الأمة:
ففي دراسة ميدانية أعدَّها موقع الصُّوفية على شبكة الإنترنت([1]) لتِهَامة اليمن والتي تمتدُّ من جبال صنعاء إلى الحدود المتاخِمَة للمملكة العربيَّة السُّعودية تبين أنَّ القبور والأضرِحَة التي تُزار وبشكل دوري تقارب (178) ضريحًا:
عدد القبور والأضرحة |
نسبة القبور التي تُرتَّب لها زيارات |
الأعمال التي يفعلها الناس عند هذه القبور |
178 |
76% من القبور تُرتَّب لها الزيارات |
الذَّبح لها، الطَّواف بها، التبرُّك بها، التَّوسل بها، الدُّعاء من دون الله، السُّجود، شدُّ الرِّحال لها، يأتيها السَّحرةُ والمجاذيب، ويحصل عندها الاختلاط بين الرِّجال والنساء |
ويعلق معدُّو الدِّراسة بقولهم:
(والذي ظهر لنا من خلال الدِّراسة الميدانية التي قمنا بها أنَّ للصُّوفية دورًا فاعلًا في نشر الشِّرك بالله من ذبحٍ لغير الله ونذرٍ وطوافٍ وطلبٍ للشفاء من القبور والأضرحة التي يزعم أنها لأولياء يمنحون التَّقديس والتَّعظيم، ويرفعون إلى مراتب لا تحق للأنبياء، بل لا تكون إلا لله ربِّ العالمين، فيسألونهم الشِّفاء وقضاء الحوائج وتفريج الكُرُبَات، ويستعينون بهم من دون الله، بل يسألونهم الشَّفاعة ويطلبونهم الوَلَد والذُّرية)([2]).
الأضرحة في مصر:
ينتشر في مِصر أكثر من ستَّة آلاف ضريح([3])، فيوجد على سبيل المثال في مركز فوّة (81) ضريحًا، وفي مركز طلخا (54)، وفي مركز دسوق (84)، وفي مركز تلا (133)، وهي الأضرحة التَّابعة للمجلس الصُّوفي الأعلى، بخلاف الأضرحة التَّابعة للأوقاف أو غير المقيَّدة بالمجلس الصُّوفي)([4]) كما يوجد في أسوان أحد المشاهد يسمى: مشهد (السَّبعة وسبعين وليًّا)([5]).
يقول وزير الأوقاف المصري: إنَّ حصيلة النُّذور التي تُجمع من الأضرحة في الفترة من (1/7 /2005) إلى (30/6/2006) بلغت 52 مليونًا و67 ألفًا و579 جنيهًا([6]).
يقول عبد الله بن محمَّد بن خميس في مشاهداتٍ له عند قبر محيي الدِّين ابن عربي: (لقد ذهبت إلى قبر ابن عربي في دمشق فوجدت فئامًا من الناس يغدون إليه ويروحون.. وجدتُّهم يطوفون حوله، ويتوسلون به، ويعلنون دعاءهم له من دون الله. وجدُّت المرأة تضع خدَّها على شُبَّاك الضَّريح وتمرغه وتنادي: أغثني يا محيي الدين! وجدتُّ الصَّبايا البريئات يجئن إليه، ويمدُدن أمامه الأَكُف، ويمسَحْن الوجوه، ويخشعن، ويتَضَرعن)([7]).
زيارة قبر النبي هود عليه السلام:
ومن القبور المعظمة والتي ترفع من شأنها الطرق الصُّوفية في حَضْرَموت القبر المزعوم لنبي الله هود حيث تُرَتَّب عند هذا القبر زيارة تتبعها مناسك زمانيَّة ومكانيَّة في مشهدٍ أشبه ما يكون بالحج، ففي اليوم الثامن من شهر شعبان يجتمعون أمام قبر الشَّيخ أبي بكر بن سالم لنيَّة التوجُّه إلى شِعْبِ هود ثُمَّ المرور بالمحذفة -أي: المرَجم الذي يرجُمُه جميع الزوار- ثم المرور بقبر الكافِرة الذي يسبُّ ويشتم ثم الوصول إلى الشِّعْب للاغتسال في نهر هود والذي هو - في زعمهم - من أنهار الجنَّة ثم الصلاة عند الحصاة، ثم الوقوف عند البئر المعطَّلة والسَّلام على الأرواح التي فيها ثمَّ الوقوف على القبر المزعوم، ثمَّ النزول عند الصَّخرة المقدَّسة -النَّاقة المتحجِّرَة - وعند العودة إلى تريم تختم الزيارة بالطواف حول مقابر تريم الثلاث المسمّاة بشار، وتكون هذه الزيارة بوقفة كوقفة عرفة في اليوم الحادي عشر من شعبان، فمن حضرها فقد أدرك الزِّيارة ومن لم يحضرها فقد فاتته الزيارة ثم النَّفرة في عصر اليوم الحادي عشر واليوم الثاني عشر([8]).
حين دخلت القوات الصَّليبيَّة الأمريكيَّة والبريطانيَّة الغازية إلى البلاد الأفغانيَّة كان أول ما قاموا به أن فتحوا المزارات والأضرحة وسمحوا للموالد أن تقام وروَّجوا لها، يقول أحد شيوخ الطُّرق واسمه (صوفي محمَّد) وهو في الستين من عمره لوكالة (رويترز): (إن حركة طالبان المتعصِّبة أغلقت المزارات وأوقفت الاحتفالات ومنعتنا من حلقات الذِّكر والإنشاد طوال فترة حكمها رغم أنَّها لم تتوقف حتَّى في وجود الحكم الشُّيوعي والاحتلال الرُّوسي! وأنا سعيدٌ جدًّا بسقوط تلك الحركة المتعصِّبة، وأمريكا سمحت لنا بممارسة طقوسنا وإقامة موالدنا، ونحن نشكر لها ذلك وبشدَّة) هكذا قال، وهكذا فعلت أمريكا، فَتحتْ الأضرحة وأقامت الموالد لإحياء البدعة ومحاربة السُّنة ولتشويه الإسلام([9]).
الحج السنغالي:
أمّا في السنغال فيشتهر عند أرباب التَّصوف رحلة الحج إلى ضريح «أحمد بامبا» حيث يتوافد مئات الآلاف من أتباع الطُّرق الصُّوفية لزيارة هذا الضريح والمكوث عنده ثلاثة أيام ضمن طقسٍ سنويٍّ يقترب كثيرًا من أسلوب الحجِّ إلى بيتِ الله الحرام([10])([11]).
كازاخِستان ومكَّة الثَّانية:
يؤدي بعض أتباع الطُّرق الصُّوفية ما يسمُّونه «حجًا أصغر» في كازاخِستان، وذلك على مدار العام، ووفق طقوس خاصَّة مَنبثِقَة من تقاليد وعادات شعبيَّة.. وأما مقصدهم في حجَّهم فهو مدينة يطلقون عليها اسم «مكَّة الثَّانية».
وأكثر ما يميز هذه المدينة هو توافد أناس كُثر من كافة مدن ودُول آسيا الوسطى للتَّبرك بها، ولأداء ما يعتبرونه الحجَّ الأصغر، الذي يختلف عن الحجِّ الأكبر لمكَّة المكرَّمة.
وعزا المؤرِّخ «أنور تولغانوف» أسباب إطلاق اسم مكَّة الثَّانية على تركستان بقوله: «إنَّ السفر من وسط آسيا والوصول إلى مكَّة المكرَّمة كان يُشكِّل صعوبةً ومشقةً كبيرةً للمسلمين ويكلِّف أموالًا طائلة، فاستعاض البعض عن الحجِّ بالسَّفر إلى تركِستان، ولا ننسى أيضًا أنَّ الأساطير والخرافات أَضفَت طابع القُدسيَّة على المدينة».
وينهي الزوار حجَّهم الأصغر بالدعاء داخل إحدى القاعات التي بداخلها المسجد وهي عديدة، فمنها قاعةٌ كان يجلس فيها خانات آسيا الوسطى خلال عصورهم السَّالفة، أما القاعة فزيارتها تعدُّ الأهم في تلك الطقوس؛ لأنَّها تحوي ضريح الحاج أحمد الياساوي.
يقول تولغانوف: «درس الياساوي التعاليم الصُّوفية في مدينة سَمَرْقَنْد، ثم عاد إلى تركستان وعاش فيها حتَّى بلغ عمره ثلاثةً وستين عامًا، نزل بعد ذلك إلى حجرةٍ تحت الأرض، معتبرًا أنَّ الحياة أكثر مما عاش الرسول محمَّد تعدُّ ذنبًا عظيمًا»([12])!!
دبلوماسية زيارة الأضرحة:
بل صار التَّسابق من قِبَلِ السِّياسيين لإحياء مظاهر الشِّرك، فقد أعلن وزير الثقافة والإعلام الأفغاني (رحيم مخدوم) أنَّ الحكومة الأفغانيَّة الجديدة وضعت ضمن أولوياتها ترميم تمثالي بوذا العملاقين في ولاية باميان، وكانت حركة طالبان قد دمرت التِّمثالين وأثارت موجة استنكار عالميَّة، يشار إلى أنَّ مخدوم متخصص في الثَّقافة الأفغانيَّة والشعر الصُّوفي([13]).
زيارة الرئيس الباكستاني لأحد الأضرحة:
في زيارة هامَّة للرئيس الباكستاني (برفيز مشرف) إلى الهند شملت إجراء محادثاتٍ مع رئيس الوزراء الهندي (مانموهان سينج) توجه الرَّئيس (مشرف) لولاية راجستان بغرب الهند لزيارة ضريحٍ إسلاميٍّ بارز، ثم توجَّه إلى العاصمة دلهي([14]).
زيارة الرئيس الجزائري للأضرحة لزيادة شعبيته:
قام الرَّئيس الجزائري (عبد العزيز بوتفليقة) بزياراتٍ مكثفةٍ لعدد من زوايا وأضرحة الأولياء والصالحين المنتشرة في مختلف أنحاء الجزائر؛ لزيادة شعبيته لدى عددٍ كبيرٍ من الجزائريِّين الذين يتبَّركون بهؤلاء الأولياء، ولنفي اتّهامات وُجِّهَت له بالتَّواطؤ مع التيَّار الإسلامي السَّلفي، وذلك قُبيل الانتخابات الرئاسيَّة التي أقيمت في الثامن من إبريل (2004م)([15]).
زيارة رئيس الوزراء الإندونيسي لضريحٍ والوصية المزعومة:
في بداية رئاسته تسلَّلَ (عبد الرحمن واحد) رئيس الوزراء الإندونيسي الأسبق من قصره الرئاسي في جاكرتا وقام بزيارةٍ سريّةٍ إلى قبر أحد الأولياء الصَّالحين كان يرفع راية الدعوة الإسلاميَّة قبل (400) سنة، وصرَّح (واحد) فيما بعد أنَّه عندما كان وحيدًا أمام الضريح، سمع صوت الرجل الصالح وهو يشجعه ويوصيه بأن يكون هادئًا مطمئنًا، وأن يكرر الدعاء اليومي: (إنَّ الله مع الصابرين).
بل من شدَّة الجهل والغفلة اتخذت قبَّة على مقبرة (الرفيق) الصِّيني الشُّيوعي (يانغ تشي تشنغ)، في (ود مدني)([16]).
إذا كان حال كبار القوم على هذا المنوال فكيف بعامة الناس الذين يغلب عليهم الجهل، فقد أوردت صحيفة (أهل الخير)([17]) بعض القصص والحكايات المؤلمة، منها: أن امرأة لم ترزق بذَكَر، وفي حملها السادس ذهبت لضريح (مولاي إبراهيم) في منطقة أسنى جنوب المغرب ودخلت عليه بعد أن أخذت معها الشُّموع وتعلَّقت بستارة الضريح ثم توسَّلَت كي يمنحها الوَلَد!
وأخرى لم تنجبْ ولدًا، فبعد أن طافت بالأطباء ولم تخرج بنتيجة يمَّمت وجهها تجاه القبور والأضرحة، فطافت بأضرحة العديد منهم إلى أن توقفت أمام ضريح مشهورٍ بالقدرة على تزويج العَوانس وجعلِ العَقيم قادرًا على الإنجاب، فوقفت وتوسَّلَت والدُّموع في عينيها كي يساعدها صاحب القبر ويحقِّق لها رغبتها في إنجاب الوَلَد.
وفي أفغانستان حيث ثمَّة زياراتٍ منتظمة لمجموعة من القبور يقول عزيز محمد، وهو رجلٌ مسن ذو لحيةٍ بيضاء يزور المقابر كل يوم: «طلبت الشُّرطة من الناس عدم المجيء لكننا نجيء، المعاقون والمرضى يشفون بعد المجيء إلى هنا. إنَّه مكان مقدس» فوسط المقابر تركع امرأة منقبة أملًا في الصِّحة والثَّراء والحظ، ويجيء رجل ضرير بصحبة الأهل أملًا في استعادة النظر([18]).
وفي شهر ذي الحجة عام 1433للهجرة أنهى عشرات الآلاف من محافظات مصر، والدول العربية والإسلامية، «حجهم الأصغر» إلى ضريح مولد أبى الحسن الشاذلى بجبل «حميثرة» بالبحر الأحمر، تزامنًا مع وقفة عرفات وليلة عيد الأضحى، بحضور عدد من شيوخ الطرق الصوفية ومريديهم، وينحر الزائرون ما يزيد على 100 ألف رأس ماشية([19]).
إنَّ نشر وتبنَّي القبورية وإحياء الميِّت منها وربط النَّاس بهذه القبور بدعوى وجود الأولياء والصالحين، وأنها مواطن الرَّحمات وإجابة الدَّعوات ـ يبين لنا بجلاء أن مزامير الشِّرك قائمة وسُوقها لا يزال مستعرًا.
تعظيم الموالد عند الصُّوفيَّة المعاصرة:
أمَّا الموالد فقد صارت هي الدَّليل على محبَّة النبي، فمن يحبُّه يقيم المولد، ومن لا يقيم المولد فهو لا يحبُّ رسول الله ([20])، وشأن الموالد أعجب من العجب حيث تسقط المروءة ويقوم الرِّجال بالتمايل والرَّقص على الأصوات المنغَّمة والكلمات المحرَّمة مثل قولِ أحدهم: يا حياتي وأنت في ذاتي([21])... ويقصد الله جل وعلا.
وقد تُقام هذه الموالد في المساجد فتدخل أدوات اللهو ومعازف الشَّيطان إلى بُيوتِ الله، ورحمَ الله إسماعيلَ بن أبي بكر الشَّهير بابن المقري الزبيدي حين قال في قصيدة له:
برغم سُنّة خيرِ العجم والعرب
ما كان صلَّى عليه الله يأمرنا بل سدَّ عن مَزْمَرِ الرَّاعي مسامِعَه قد ذمَّ ربك قومًا كان فعلهمُ كانت لدى بيته قِدْما صلاتهم يعني صفيرًا وتصفيقًا ففعلِكُمُ ما ذمَّ تصفيقَ أيديهم لأجلِهِمُ بل ذمَّ فعلهُمُ حتى يُحذِّرنا وأن نُقارِفَ شيئًا في مساجده فضحتُمونا وصيَّرتم مساجدنا شَوشتمُ الدِّين غيَّرتم محاسنَهْ |
أضحت مساجدنا للهوِ واللَّعب
بضَرْب دفٍّ ولا زُمرٍ ولا قَصَب صونًا لها ولنَا عن هذه اللُّعب أخفَّ من فِعْلِكم من مُشركي العَرب مكًا وتصديةً في سَالِف الحِقَب أشدُّ من فعلهم قُبحًا فلا تَعَب ليس مع كفرهم هذا بمحْتَسب من أن نشاركَهم في مُوجِبِ الغَضَب غير العِبَادة والقرآن والقرَب وهي المصونة كالحانات للعب فعلتمُ فيه فِعْل النَّار في الحَطَب([22]) |
إلى آخر قصيدته /..
وتكثر الموالد في مصر، ويشتهر منها: (المولد النبويُّ)، و(مولد البدوي) الذي حَضَـره عام (1996م) نحو (3) ملايين زائر([23])، ومن الموالد التي تقام (مولد إبراهيم الدُّسوقي)، و(مولد أبي الحسن الشَّاذلي)، و(مولد المرسي أبي العبَّاس)، و(مولد أبي الحجَّاج الأقصري)، و(مولد إبراهيم القنائي).
ويوم الاحتفال بالمولد النبوي يكون إجازةً رسميةً في البلاد، ويُقام بصفةٍ رسميَّةٍ في كل محافظة بمصر حيث تُشرف عليه السُّلطات، ويشهد هذا الاحتفال أيضًا كبار رجال الدَّولة أو ممثلون عنهم، وعلى رأسهم شيخ الأزهر ومفتي الدِّيار المصريَّة ورئيس جامعة الأزهر ووزير الأوقاف ومحافظ القاهرة؛ حيث يلقي معظمهم كلماتٍ في الاحتفال، كما يشهد حضورًا إعلاميًّا واضحًا من صحافةٍ وإذاعةٍ وتلفازٍ.
وبعد نهاية الاحتفال الرسمي ينصرف أتباع الطُّرق الصُّوفية لإلقاء أناشيدهم ومدائحهم وأذكارهم في أماكن معدَّة لذلك سَلَفًا، ويستمرُّون في ذلك حتى منتصف الليل تقريبًا.
وفي 17/ شوال / 1433 وفي خطوة مشكورة مبرورة قام وزير الأوقاف المصـري الدكتور طلعت عفيفى – سدده الله -، بمنع تراخيص إقامة حلقات الذكر بالمساجد ورفض إشراف الدولة على الموالد([24]).
حلقات الذِّكر في الحُدَيْدَة:
أورد أمين الريحاني في كتابه مُلوك العرب صورةً وصفيةً لبعض حلقات الذِّكر الصُّوفية والتي كانت في مدينة الحُدَيْدَة والتي لا تختلف عن حلقات الذِّكر الصُّوفية الموجودة الآن.
(كان قد توفي يومئذ شيخ الطَّريقة المرغينيَّة فاشتركت الطُّرق كلها في حلقة الذكر من أجله ضمَّت أربعمائة شخص، واستمرت خمس ساعات، جلسنا في منصَّةٍ في صحن المسجد، فأشرفنا منها على الحلقة كلها، وكان النَّاس جالسين على الأرض، وجلس أبناء الشَّيخ المتوفى ومشايخ الطُّرق في صدر الحلقة وبينهم سراجٌ منيرٌ وقارئٌ كان يقرأ -ساعة وصولِنا- المناقب التي تفتتح بها حلقات الذكر يذكر فيها مناقب الفقيد وكراماته.
ثم وقفت الحلقة أربعة صفوف الواحد وراء الآخر، ووقف أحد أبناء الشيخ المتوفَّى في الوسط، فحركها باسم الله بصوتٍ هادئٍ وإشارةٍ لطيفةٍ بدأ بلا إله إلا الله، فمالت الحلقات إلى الأمام، ومالت إلى الوراء وراحت تكرر وتردِّد الشَّهادة، وكان صوت الأربعمائة شخص كأنه صوتٌ واحد، وحركتهم حركةٌ واحدة يتدرجون سرعةً وهياجًا عملًا بلهجة الشَّيخ وإشارة يمناه وهو يجول في الحلقة مستحثًّا محرِّضًا: (إلا الله)، وضرب كفًا بكف، فرددت الحلقة (إلا الله) بسرعة لمح البصر، ثم أمست كأنها تصيح (الله الله الله) وسكتت فجأة كمن أُغميَ عليه ثم عادت تدريجيًّا إلى المِيزان الأول في الصَّوت والحركة(لا إله إلا الله) وجلس الشَّيخ فقام آخر يَثِبُ مكانه نصفَ ساعةٍ وهكذا)([25]).
أمَّا في تِهامة اليمن (فيُحتفل بالمولد النبويِّ وبذكرى الإسراء والمعراج والَّتي تُسمَّى الرَّجبيَّة وبالنَّصف من شعبان ويسمُّونها الشَّعبانيَّة أو عيد البهجة والاحتفال بالهجرة النبويَّة وبانقضاء الحَول)([26]).
ومن الأمور العجيبة أثناء حج بيت الله الحرام، أن الحجيج وهم متلبسون بالإحرام ويلبُّون لله: لبيك اللهم لبيك، متجهةً قلوبهم إلى الله نرى بعضًا من الجماعات الصُّوفية تقوم في حلقاتٍ راقصةٍ ينشدون الأناشيد مع الرقص، بل وتقام جلسات لإنشاد البردة يُردَّدُ فيها:
يا أكرم الخلق ما لي من أَلُوْذُ به سِواكَ عند حُلولِ الحادِثِ العَممِ
فإنَّ من جُودكَ الدُّنيا وضَرتها ومن عُلُومِكَ عِلمُ اللَّوحِ والقَلمِ([27])
يقول الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله – وهو الخبير بمثل هذه الموالد: (الحق أنَّ الموالد من أخصب البيئات للمناكر الظاهرة والمستورة، ففي ساحاتها الواسعة ينتشر الرُّقعاء بدون خجل، ويختلط النساء بالرجال في المآكل والمنام، وكثيرًا ما تقع جرائم الزنا واللواط، ويدخَّن الحشيش، وتُسمع الأغاني والموسيقى الخليعة، وتختفي روح الجد 000 ومن ثم فنحن نميل إلى تعميم الحكم على هذه الموالد ووصفها بأنها مبتدعات تُرفض ولا يُعتذر لها) وهي (من الوسائل التي يلجأ إليها حكام الجور، لصرف الناس عن ملاحقتهم بالنقد، وتضخيم الأحداث التافهة وحَوْك الأساطير حولها، ثم إشاعتها بين العوام وأشباههم، ليتلهوا بها زمنًا حتى يستقرَّ للحكام الفسقة أمرهم دون نكير)([28]).
الهوامش
([1]) www.alsoufia.com .
([5]) انظر: الآثار الإسلامية في مصر من الفتح العربي حتى نهاية العصر الأيوبي، مصطفى عبد الله شيحة، (ص:152).
([11]) وقد أقيمت الزيارة في هذا العام (1428هـ-2007م). انظر: صحيفة المسائي الجمعة (19/2/1428هـ) الموافق: (9/3/2007م) العدد (5794).
([13]) المصدر: وكالة الأنباء الفرنسية نقلًا عن http://www.aljazeera.net
([15]) http://islamonline.net. وانظر أيضًا: صحيفة الشرق الأوسط - الاثنيـن (25 ذو الحجـة 1424هـ) (16 فبراير 2004م) العدد (9211) وانظر أيضًا: صحيفة الراية القطرية الخميس (4/3/2004م).
([19]) انظر الرابط وفيه تقرير مرئي عن الزيارة
ttdhttp://www.alsoufia.com/main/articles.aspx?article_no=3660
([20]) ذكر تقرير عن وكالة الصحافة الألمانية أن رجلًا ذبح زوجته وأبناءه الأربعة في مدينة كراتشي جنوب باكستان لتقديمهم «كقربان» بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وقال زوج أخت نديم: إنه كان يتصرف بشكل غير طبيعي، ويتردد على زيارة أضرحة الأولياء الصالحين خلال الأشهر الأخيرة. وكالة الصحافة الألمانية (24/4/2005م).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.