الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم أما بعد؛ ومن العقائد الضَّالة الَّتي تروج ما ذكره صاحب كتاب أعلام الصُّوفيَّة المعاصرين:
(ذكر أنَّ الشَّيخ (شوقي العوالي) أراد الحجَّ وذهب للشَّيخ (عيسى جودة) كي يدعو له، يقول: وبينما أنا في الحجِّ وكنتُ في الطَّواف إذا بالنَّاس يتوقفون عن الطَّواف، يقول: وكدتُ أهلك وإذا بي أُنادي: يا سيدنا الشَّيخ عيسى مَددْ.. أَدرِكْنِي، ويُقسِم الشَّيخ شوقي أنه أبصر أمامه على الفَور مولانا الشَّيخ عيسى بجسمه وشخصه وأخذ يُفسِحُ له في المطاف حول الكعبة حتى أتمَّ طوافه! ومولانا الشَّيخ عيسى لم يبرح وطنه هذا العام)([1]).
وفي مجلَّةِ البحوث والدِّراسات الصُّوفية ما نصُّه: (وقد أضاف سيِّدي علي وفا سرًّا رائعًا لملاقاة سيِّدنا موسى لسيِّدنا الخِضر إ يتبدَّد به وَهْمُ الحائِر، إذ قال: (الخضر مَظْهرٌ عِرفاني، رأى فيه موسى حين وجوده ما سأل في مَقامه العِرفاني أن يراه في شهوده، وذلك المظهر كان منه وعليه فافهم)([2]).
يقول عبد الهادي الخرسة في شَرْحه للوظيفة الشَّاذليَّة: (يقول سبحانه: {وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ} [التوبة:62] ويقول: {وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة:74] فالضمائر في قوله: (من فضله) و(أن يرضوه) مفردة؛ لأن الحَضْـرَةَ واحدة)([3]) !!
وقد ذكر الصوفي «علي الجفري» أنَّ الحلاَّج قُتِلَ بسيفِ الشَّريعة فهو زنديق، أما في الحقيقة فهو وليٌ من أولياء الله!!
بل يقول أيضًا: (إنَّ المسلم إذا مر بضيق وقال: يا سيدي عبد القادر أو يا سيدي المحضار فليس عليه من بأس)([4]).
يقول عبد الرزاق البيطار في ترجمة محيي الدِّين بن محمَّد بن هديب الشَّهير بالعاني:
(اشتهر بين الناس بالصِّدق والصَّلاح والرِّفق والنَّجاح والزُّهد والتَّقوى بالسـرِّ والنَّجوى، والهمَّة العالية والطَّاعة السَّامية، والكَشْفِ عن المُغيَّبات، وكان له قُرناء يذكرون له من الشَّمائِل ما لم يكن لكُمَّلِ الأولياء، إلى أن استوى على عرشٍ علاه، وظنَّ أن لا أحد يساويه في حلاه فخضعوا إليه، وخفضوا رؤوسهم وأطاعوه وجعلوه رئيسهم وتوجَّه كلٌ منهم إلى مكان، يمدحه فيه، إلى أن صار إذا عمل أكبر الكبائر، يقول الناس: هذه لا تعدُّ من الصَّغائر،لأن الشَّيخ له أحوال ولا نعرف ما يقصد عند بعض الأفعال، فهو من أهل الكَشْفِ والشُّهود، ونحن من أهل الحِجَابِ الَمسْدُول والمَمْدُود!!فحينئذٍ أَطْلَقَ أقوالَه وأَظْهَر أفعاله، وأتى بما لا يصدِر مثله عن أهل الشَّقاءِ فضلًا عن ذوي الطَّاعة والتُّقى)([5]).
ومن العقائد الضالة التي يوالى بثها المتصوفة الحقيقة المحمدية ومحصل معنى هذه العقيدة الزائغة هو الغلو والإطراء المحرم لشخص المصطفى عليه الصلاة والسلام، يقول عبد العزيز الدباغ في إبريزه (اعلم أن أنوار المكونات كلها من عرش وفرش وأرض وجنات وحجب، وما فوقها وما تحتها إذا جمعت كلها وجدت بعضًا من نور النبي)([6])!!
ومن أقوالهم: (لما خلق النور جمع في هذا النور المحمدي جميع أرواح الأنبياء والأولياء جمعًا أحديًا، قبل التفضيل في الوجود العيني وذلك مرتبة العقل الأولى)([7]).
و(إن العقل المنسوب إلى محمد ^ خلق الله منه جبريل في الأزل، فكان محمد ^ أبًا لجبريل، وأصلًا لجميع العالم، وسمي العقل الأول بالروح الأمين، لأنه خزانة علم الله)([8]).
هذه العقيدة الزائغة التي ألبست هذه الملة القائدة لبوس النصرانية لا يزال الصوفية المعاصرون يدندنون حولها، يقول أحدهم: (نعتقد أنه أول الخلق، وأول النبيين في الخلق، وأول الناس في الخلق، وأنه كان نبيًّا وآدم بين الروح والجسد ... فلا يستهوينكم السفهاء أعداء رسول الله ^[!] وتنزلقون في رفضهم كون النبي ^ أول خلق الله، وأنه نور، بدعوى أن ذلك من الغلو)، ويقول أيضًا: (معنى أن النبي ^ بشر مثلنا، معناه أنه خلق من أب وأم في آخر المطاف، وهذا لايتنافى أنه خلق من نور)([9]).
من الأوراد - المعاصرة تلاوة - التي تشي بهذه العقيدة الزائغة، ورد الطريقة الخلوتية الذي يقولون فيه: (اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد النور الذاتي، والسر الساري في سائر الأسماء والصفات)([10]).
يقول الدكتور زكي مبارك: (والواقع أن الحقيقة المحمدية أسطورة من الأساطير هي في رأينا مأخوذة من النظرية النصرانية)([11]).
والأصول التي يعتمد عليها الصوفية في تأسيس بدعتهم هذه نلخصها في أنهم يعتقدون أن بشرية الرسول ^ ليست كبشرية الناس، وأن طبيعته تختلف عن الطبيعة البشرية العامة في أصل الخلقة، واعتقادهم بأن الرسول ^ كان أصله من نور، واعتقادهم بأن الرسول ^ أول الخلق، واعتقادهم بأن الرسول ^ هو غاية الوجود، ولولاه ما خلق الله الخلق، وهذه أصول أربعة فاسدة معلوم فسادها ضرورة في دين الإسلام([12]).
الدِّفاع عن الحلاَّج وابن عربي:
لقد وصل ببعض المتصوِّفة المعاصرين إلى أن يدافعوا عن الحلاَّج وابن عربي، ففي العدد الثاني عشر من مجلة الإسلام والتصوف نعتت المجلَّةُ الحلاَّجَ بأنه شهيد الصُّوفية- وهو الذي قُتِلَ لزندقته بفتوى من علماءِ عصره- وأنَّه مات مقتولًا شهيدًا في مقالة طويلة([13]).
ويبعد النَّجعة شيخ الأزهر عبد الحليم محمود فيقول: (قضية الحلَّاجِ معروفٌ سرُّها، وما كان خفيًّا يومًا من الأيام، لقد كان الحلَّاج قوةً جارفةً يلتفُّ حوله النَّاس أينما حلّ، وكان يحب آل البيت النبويّ ككلِّ صوفي، ولكن آل البيت إذ ذاك يطمعون في أن تكون الدَّولة لهم، وما كان بنو العباس يطمئنون إلى شخصيَّةٍ كشخصيَّة الحلَّاج، فما كان مقتل الحلَّاج دينيًّا قط، وإنّما كان سياسيًّا بحتًا، ومن السَّهل على الملوك المستبدين أن يزيّنوا القضايا، والألفاظ التي ينسبونها للحلَّاج ليست في كتابٍ من كتبه الموجودة)([14]) وليت شيخ الأزهر ذكر دليلًا واحدًا على هذا ولكنَّه التعصُّب؟!
وينبري الدُّكتور محمد سعيد البوطي مدافعًا عن ابن عربي وعمَّا في كتبه من ضلال ويرى (الإمساك عن اتّهامه بأيِّ جنوحٍ أو زيغٍ، فإنّنا لا نملك أن نجزم بأنَّ هذا الباطل من كلامه يقينًا، بل لا نملك حتّى الظن الرَّاجح بذلك)([15]) وهذه شَنْشَنَةٌ نعرفها من أخزم، فكلَّما قال الصُّوفية الضلال والكفر بالله قالوا: هذا مكذوب علينا.
وممَّا ينقضُ هذا الزَّعم أنَّ كتاب الفتوحات المكيَّة توجد منه نسخةٌ كاملة بخطِّ ابن عربي([16]).
ويقول مفتي الجمهورية السورية محمد أديب الحسون النقشبندي: (ابن عربي من معجزات رسول الله؛ لما أظهر من حقائق العلم النافع، وقد ربط الوجود بالحضرة الإلهية ... لم ينصف ابن عربي)([17])!!
ويقول شيخ الطريقة الخزنوية النقشبندية عبد الغني الخزنوي: (ابن عربي والحلاج من أهل النفوس والصلاح وقد وصلوا إلى درجة راقية)([18]).
يقول الشَّيخ محمَّد الغزالي /: (لقد اطَّلعت على مقتطفاتٍ من الفتوحات المكيَّة لابن عربي فقلتُ: كان ينبغي أن تُسمَّى الفتوحات الرُّومية! فإنَّ الفاتيكان لا يطمع أن يُدسَّ بيننا أكثر شرًّا من هذا اللَّغو .. وممَّا يلفت النَّظر أنَّ معهد الدِّراسات الإسلاميَّة بجامعة السُّوربون قد اتفق مع إحدى عواصم الدول العربيِّة على طبع الفتوحات وإخراجها في بضعةٍ وثلاثين جزءًا لحساب مَنْ يتم هذا العمل في هذه الأيام العصيبة)([19]).
يقول ابن المقري – رحمه الله – عن ابن عربي :
فلا قدس الرَّحمــنُ شخصًا يُحبـــه على ما يرى من قبح هذي المخابر
فيا محسنــــي ظنًّا بما في فصوصــه وما في فتوحات الشرور الدوائـر
عليكم بدين الله لا تصبحوا غدًا مساعر نار قبحت من مساعــر([20])
يقول العلامة عبد الرحمن بن خلدون الحضرمي المالكي: (ومن هؤلاء - من الصوفية -: ابن عربي، وابن سبعين، وابن برّجان، وأتباعهم، ممن سلك سبيلهم ودان بنحلتهم، ولهم تواليف كثيرة ٌ يتداولونها، مشحونةٌ من صريح الكفر، ومستهجن البدع، وتأويل الظواهر على أبعد الوجوه وأقبحها، مما يستغرب الناظر فيها من نسبتها إلى الملة أو عدها في الشـريعة) ثم قال: (وليس ثناء أحد على هؤلاء حجة للقول بفضله، ولو بلغ ما عسى أن يبلغ من الفضل؛ لأن الكتاب والسنة، أبلغ فضلًا وشهادة من كل أحد)([21]).
ويقول أحد الصُّوفية المعاصرين عن شيخه: (ولقد كان مولانا الشَّيخ جودة دائمًا في حضورٍ مع الله تعالى في مراقبةٍ ومشاهدةٍ، ومؤنسة ومُنادمَة، لقد وصل في القرب إلى درجة الفناء الكامل في الله).
ويستطردُ قائلًا: (وفي مقام الفناء يشهدُ العارف الحقيقة المطلقة ويشهد الجمال القُدْسي ويكون بلا هو حيث لا يشهد سوى الله).
ولنا أن نتساءل: ما الفرق بين هذا الكلام وكلام محيي الدِّين ابن عربي المليء بالزندقة([22])؟!
ومن الكرامات المعاصرة كرامة إحياء الموتى!
روى صاحب أعلام الصوفية أنَّ رجلًا قُتِلَ وحُمِلتْ جثته إلى باب أحد الأولياء فاتُهِمَ به، فما كان من الولي إلا أن قال للميت: قمْ باسم الله، وقل: من قتلك، فقام وأخبرهم بقاتله.
ويعلِّق صاحب الكتاب بقوله: إنَّ هذا الولي عيسوي المقام؛ لأنَّه يحيي الموتى!!
ومن كرامات هذا الولي أيضًا: سلامه أثناء زيارته لقبر النبي ^ على اليد الشريفة التي امتدَّت من شبَّاك الحُجرة المحمَّدية.
ومن كراماته: أنه في يوم عرفة من كل عام يدخل إلى غرفة في بيته ويأمر بعدم الدُّخول عليه، ثم يأتي الحُجَّاجُ من مريديه فيُقسم بعضهم أنَّه رأى الشَّيخ واقفًا بعرفة.
ومن عجائبه: أنَّه كان يلتقي البدوي في البرزخ.
ومن كراماته المزعومة: نصحه لولده بترك المرأة التي أراد أن يتزوجها لأنَّها ستموت بعد ثلاثة أيام([23]).
يقول ابن تيميَّة /: (ومما ينبغي أن يعرف أن الكرامات قد تكون بسبب حاجة الرجل، فإذا احتاج إليها الضعيف الإيمان أو المحتاج، أتاه منها ما يقوي إيمانه ويسدُّ حاجته، ويكون من هو أكمل ولاية الله منه مستغنيًا عن ذلك، فلا يأتيه مثل ذلك لعلُّو درجته وغناه عنها، لا لنقص ولايته، ولهذا كانت هذه الأمور في التَّابعين أكثر منها في الصحابة)([24]).
ونقطة الإشكال في مسألة الكرامة ليست هي من حيث وجودها ولا من حيث وجود أشخاص صالحين يمدِدهم الله بها فهذا محض فضلٍ من الله جل وعلا، وإنَّما نقطة الإشكال الكُبرى جَعْلَها المقياس للولاية والصَّلاح والتَّقوى، فإنَّه بمقدار ما يظهر على يدي الشَّخص من خوارق تكون ولايته وصلاحه وتقواه، لا بالتزامه بأوامر الشَّرع وأحكامِه.
يقول أبو العلا عفيفي: (لم تخرج كلمة (ولي) في القرآن عن معناها اللُّغوي البسيط ولكنه تطوَّر تطوُّرًا عجيبًا على أيدي الصُّوفية والشِّيعة، فتحوَّلت عن معناها القرآني الذي هو النُّصرة والحماية اللَّتان يمنحهما الله عبادَه المتقين إطلاقًا إلى نصرة طائفةٍ خاصَّةٍ لها شروطٌ وعلامات، وبعد أن كانت حقًّا مشاعًا لجميع المسلمين أصبحت قاصرة على نفرٍ تنتقل إليهم تنقلًا وراثيًّا.. والولاية مرتبةٌ لا يصل إليها الوليُّ بأعماله ومجاهداته وإنّما هي منحة إلهية يمنحها الله من يشاء من عباده)([25]).
ويقول فريد الدين آيدن: (إن شخصية الولي الذي وصفه الله بالإيمان والتقوى، وأنه لا يخاف ولا يحزن؛ تختلف اختلافًا كبيرًا عن تلك الشخصية التي تتصف بالولاية في عقيدة الصوفية عامةً، لأنه يستحيل في عقيدتهم أن يكون الله هو المسيِّر الوحيد للكائنات بأجمعها، فالولي هو وكيل الله في أرضه، وخليفته القائم بالتصرف عنه)([26]).
([1]) أعلام الصوفية المعاصرين (ص:641).
([2]) مجلة البحوث والدراسات الصوفية (ص:290) وللقارئ أن يتأمل ما الذي طلب موسى × أن يراه في شهوده، ثم رآه في صفة الخضر. ولتذكير القارئ: فقد قال موسى × في كتاب الله: (رب أرني أنظر إليك).
([3]) شرح الوظيفة الشاذلية (47/48).
([5]) حلية البشر في أعلام القرن الثالث عشر (3/1488).
([6]) الإبريز للدباغ (2/84).
([7]) الرماح لعمر التجاني (1/247).
([8]) الإنسان الكامل للجيلي (2/92).
([9]) خصوصية وبشرية النبي (165-167).
([10]) اللآلي السنية في أوراد الطريقة الخلوتية (22).
([11]) التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق زكي مبارك، (1/279).
([12]) انظر للتوسع حقيقة الرسول ^ بين الصوفية وأهل السنة للدكتور عطيه عدلان.
([13])مجلة الإسلام والتصوف العدد الثاني عشر.
([14]) كتاب العارف بالله أبو العباس المرسي (ص:129) طبعة دار الشعب.
([15]) (التصوف السليم جوهر الإسلام) مقال للبوطي في مجلة المنار الإماراتية العدد التاسع، يقول الدكتور البوطي في تقديمه لكتاب نصيحة لعلماء نجد للرفاعي ما نصه منكرًا على أهل العلم رعايتهم لجناب التوحيد بشطط من القول: (ثم إن العالم الإسلامي كله يفاجأ اليوم بهذه البدعة التي يمزق بها إخوتنا مشايخ نجد إجماع سلف المسلمين وخلفهم إلى يومنا هذا، فدار ولادة رسول الله تهدم وتُحول إلى سوق للبهائم، ودار ضيافة رسول الله ^ في المدينة تحول إلى مراحيض! وتمر أيدي المحو والتدمير على كل الآثار التي تناوبت أجيال المسلمين كلهم شرف رعايتها والمحافظة عليها) انظر: مقدمة نصيحة لعلماء نجد.
([16]) انظر: مؤلفات ابن عربي لعثمان يحيى (431، 477، 479).
([17]) الطرق الصوفية في سورية تصورات ومفهومات قراءات في واقع الحال د.عبود العسكري (86).
([18]) المرجع السابق (51).
([19]) تراثنا الفكري في ميزان الشرع والعقل (60–61).
([20] ) ذكرها العلامة المقبلي في العلم الشامخ (504).
([21]) العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين (2/180) لتقي الدين محمد بن أحمد بن علي المكي الفاسي.
([22]) أعلام الصوفية (ص:614).
([23]) انظر: أعلام الصوفية (ص:619) وما بعدها.
([24])مجموع الفتاوى (11/283).
([26]) النقشبندية بين ماضيها وحاضرها (165).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.