يقول الباحث د. عبد الوهاب المسيري: (ممَّا له دلالته أن العالم الغربي الذي يحارب الإسلام يشجع الحركات الصُّوفية، ومن أكثر الكتب انتشارًا الآن في الغرب مؤلَّفات محيي الدين ابن عربي وأشعار جلال الدِّين الرومي.
وقد أوصت لجنة الكونغرس الخاصة بالحريات الدينيَّة بأن تقوم الدول العربية بتشجيع الحركات الصوفيَّة، فالزهد في الدنيا والانصراف عنها وعن عالم السياسة يضعف ولا شك صلابة مقاومة الاستعمار الغربي...)([1]).
ويؤكد المستشرق الألماني «شتيفان رايشموت» أستاذ علم الإسلاميَّات وتاريخ الإسلام بجامعة بوخوم، أنَّ (مستقبل العالم الإسلامي سيكون حتمًا للتيار الصوفي)([2]).
ومن الجدير بالملاحظة أنَّه في عام (2001م) أطلقت مجموعة من الخطابات السِّياسية حول الإسلام الذي يريده الغربيُّون. فقد شرح رئيس الوزراء البريطاني المقصود بهذا في خطاب موجَّه للزُّعماء والمسئولين في الدول الإسلامية، دعاهم فيه إلى أن يعملوا جاهدين على أن يهيمن الإسلام (العادي أو الرئيس) (استخدم لفظ main stream) بحيث يخضع له جميع المسلمين في شتَّى أنحاء العالم.
والفكرة ذاتها عبَّر عنها وزير الخارجية الأمريكي السَّابق «كولين باول» في شهر نوفمبر (2001م) في خطاب ألقاه في جامعة «لويسفيل» بولاية كنتاكي، حيث أشار إلى تبلور رؤية أمريكيَّة للمجتمعات الإسلاميَّة تقوم على أساس من قيم مُعينة تمسُّ التَّكْوين الثَّقافي والسياسي والعَقدي لتلك المجتمعات([3]).
وفي يناير عام (2001م) أقيم المؤتمر العالمي الأول لدراسات الشـرق الأوسط والذي عُقد بمدينة ماينز الألمانيَّة، وقد كان برنامج المؤتمر مُكتظًا بالبحوث والدراسات المتنوعة، أما ما يتعلق بالإسلام والحضارة الإسلامية فثمَّة بحثان هما: الإسلام الحديث والطريقة النَّقْشَبنديَّة - المجددية الصُّوفية، والأولياء الصُّوفيون وغير الصُّوفيين([4]).
في صَيْف عام (2002م) أصدرت مؤسسة (راند)([5]) البحثية مقالة([6]) عكست فيها رُؤيتَها للفُروقات والتَّباينات بين الفِئَات والجماعات الإسلاميَّة المختلفة في العالمين العربي والإسلامي، وسوف نورد منه بعض الفقرات التي تبين مدى اهتمام الغرب بالصُّوفية أو ما يسمُّونه بالإسلام التَّقليدي.
يقول التقرير:
(ومن الواضح أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية بل العالمَ الصناعي المتمدن بأسره يفضلون عالَمـًا إسلاميًّا يتماشى مع بقية النظام؛ أي: عالمًا إسلاميًّا يتَّسم: بالديمُقراطيَّة، بالقابلية للنمو، بالاستقرار السِّياسي، بالتَّقدم الاجتماعي، بالتبعيَّة لقوانين ومعايير السُّلوك الدولي. هذا بالإضافة إلى أنَّ هذا العالم الإسلامي «المُفضَّل» مُلزم بالمساهمة في منع أي (صِدَام للحضَارات)، بكل صورِه المتاحة والممكنة، الممتدة من القلاقل المحلية المتصاعدة بسبب الصِّراعات بين الأقليَّات المسلِّمة والمواطنين (الأصليين) في الغرب إلى العمليات العسكرية المتصاعدة عبر العالم الإسلامي، وما ينتج عنها من إرهاب وعدم استقرار..
ومن ثم.. فإنه من الحكمة والاتِّزان تشجيع تلك العناصر -المتواجِدة في داخل الخلطة الإسلاميَّة- التي تُظهر أكبر قَدْر ممكن من التعاطُف والانسجَام تجاه السَّلام العالمي، والمجتمع الدولي والدِّيمُقراطية والحَدَاثة، إلا أنَّ الأمر لا يبدو بهذه السُّهولة؛ فتعريف تلك العناصر وإيجاد الأسلوب الأمثل والأنسب للتعامل معها ليس بالأمر الهيِّن..).
ثمَّ رصد التقرير أربعة عناصر متواجدة في الساحة الإسلامية وهي:
- الأصوليون الذين يرفضون القيم الديمقراطية والثقافة الغربية الراهنة، فهم يبغون دولة سُلطويَّة مُتزمِّتة، تطبِّق رؤيتهم المتشدِّدة للقانون الإسلامي، إلا أنهم لا يُمانعون استخدام التكنولوجيا الحديثة للوصول إلى هدفهم..
- التقليديون الذين يسعون إلى خلق مجتمع محافظ، مع الابتعاد قدر الإمكان عن كل ما يمتُّ بالتغيير والتجديد والحداثة..
- الحداثيون (أهل الحداثة) الذين يبغون عالمًا إسلاميًّا مندمجًا في داخل الحداثة العالميَّة؛ مما يَستلزم - من وجهة نظرهم - تحديث الإسلام وتغييره ليتماشى ويتواكب مع ظروف العَصر..
- العلمانيُّون الذين يريدون عالمًا إسلاميًّا مُختزِلًا للدِّين في الدوائر الخاصة على غرار الدِّيمُقراطيات الغربيَّة؛ حيث الفصل بين الدولة والكنيسة..
ثم يوصي التَّقرير بوصايا متعددة للتعامل مع هذه التَّصنيفات ومن هذه الوصايا:
-تأييد الاتِّجاه الصُّوفي ونشره والدَّعوة إليه..
يقول الأستاذ فهمي هويدي مُعلِّقًا على التَّقرير حول هذه النقطة: (وفي حين تطرح العَلْمنَة حلًّا لمشكلة الأمة الإسلاميَّة، فإن التَّقرير لا يُخفي دعوةً صريحةً إلى تشجيع التَّصوف، وهو ما يعد نوعًا من الدعوة إلى التعلُّق بما يمكن أن نسميه بـ(الإسلام الانسحَابي)، الذي يقلِّص التَّدين في دائرة (روحية) لا يتجاوز حدودها، فهو يتحدث صراحة عن أهمية (تعزيز الصُّوفية) و(تشجيع البلدان ذات التقاليد الصُّوفية القويَّة بالتَّركيز على ذلك الجانب من تاريخها، وعلى إدخاله ضمن مناهجها الدِّراسيَّة) بل ويُلِحُّ على ذلك في عبارة أقرب إلى الأمر تقول: لا بد من توجيه قدر أكبر من الانتباه إلى الإسلام الصُّوفي)([7]).
مـؤتمر فهم الصُّوفية والدُّور الذي ستلعبه في رسم السِّياسة الأمريكيَّة([8]):
في (24) أكتوبر (2003م) استضاف مركز نيكسون مُؤتَمر برنامج الأمن الدوَلي في واشنطن لاستكشَاف مدَى دَور الصُّوفية -الجماعة الروحيَّة في الإسلام- فيما يتعلق بأهداف سياسة الخارجيَّة الأمريكيَّة. كان الغرض من الاجتماع تعريف صناع السِّياسة الأمريكية والمجتمع السِّياسي لهذا الجزء المهمل إلى حدٍ ما من الإسلام، وغالبًا ما يُشار إلى أنه (الثقافة الإسلامية) يعتنق الصوفية ملايين الناس في جميع أنحاء العالم، بما فيها الولايات المتحدة.
ونظرًا لأهميَّة هذا المؤتمر سنستعرض بعض النقاط المهمة وأهم توصيات أوراق العمل التي وردت فيه من خلال الملخَّصَات التي بين أيدينا:
عُقِد المؤتمر في ثلاث جلسات واحدة منها سرية:
الجلسة الأولى: حول الصُّوفية، التَّأريخ، الفَلسفَة (اللاهوت)، الجماعات:
تقول الدكتوره «هديَّة مير»: (لقد جلب انهيار الامبراطُوريَّة العُثمانيَّة موجةً جديدةً من الاعتقادات في العالم الإسلامي، والتي كان يُراد منها توحيد المسلمين في قوة سياسيَّة تُوجَّه ضد أوروبا والولايات المتَّحدة، وهذه الأيدلوجيَّة الجديدة غالبًا ما يشار إليها بالوَهَّابيَّة (والتي أحيانًا يطلق عليها اليوم بالسَّلفيَّة) ولقد وصفت هذه الأيدلوجيَّة لمعتقديها بأنَّها محاولة لتخليص الطُّقوس الإسلاميَّة حول العالم من بِدَع الصُّوفية وغيرها المتأثرة بالغرب.
ثم اقترحت ثلاث طرق مهمَّة عن كيف يمكن للولايات المتَّحدة أن تستطيع المساعدة في تدعيم التَّصوف، تقول:
(أولًا: الحفاظ على أو إعادة بناء الأضرحة للأولياء ومراكزهم التعليميّة المرتبطة بهم، لإعادة هيبة النَّاس لها.
ثانيًا: إعادة تذكير الناس بهذه الأماكن وبناء جسور التَّسَامح والفهم.
ثالثًا: يُمْكن أن يكون للولايات المتحدة دورًا مُفيدًا في إنشاء وتمويل مراكز تعليميَّة تركِّز على التاريخ القديم والحضارة القديمة في الإقليم، مع التَّركيز على أسبَقيَّة وجود التسامح الديني والأُثيني بوجه خاص، كما يمكن أن تساعد تلك المراكز المجتمع بإعادة تأهيل أولئك الشَّباب الذين تحرَّروا من عُدوانيَّة الفِكر الوَهَّابي).
أما في الجلسَة الثانية: وهي حول الصُّوفية في أوروبا وآسيا:
يقول البروفيسور «ألان جود لاس» من قسم الدراسَات الدينيَّة بجامعة جورجيا: (ومن حسن الحظ أن بعض دول وسط آسيا قد أدركت مدى أهميَّة استفادة الثقافة الصُّوفية بالنِّسبة لمجتمعاتها، ففي أوزبكِستان كان هناك تزايد في نشـر أعمال حول الصُّوفية وحول الصُّوفيين مثل بَهاء الدِّين النَقشْبندي ونجم الدِّين كبرى، وفي أواخر العام (2004م) دعمت الدولة نشر أحد الأعمال المهمِّة من الأدب الصُّوفي لوسط آسيا يدعى (لغة الطُّيور)، يقصد منطق الطير لابن قضيب البان.
ويقترح «ألان جود لاس» أنَّ العنصـر الآخر لأي محاولة لإعادة بناء الهويَّة الصُّوفية في أوزبكِستان يجب أن يكون بدعم الطَّريقة الصُّوفيَّة النَّقْشَبنديَّة التقليديَّة على وجه الخصوص، حيث تمتلك هذه الطَّريقة التَّقليديَّة موطئ قدمٍ في البلدة، فأكبر مدرسة في آسيا الوسطى يقودُها أحد النَقْشبنديِّين كما هو الحال في لجنة الدِّراسات الدِّينيَّة التَّابعة للدَّولة.
ثم يلخِّص مُقتَرحاته بقوله: سيكون من الجيِّد أن تدعم الولايات المتحدة محاولات كلِّ دولة لإحياء هويتها الصُّوفيَّة المحليَّة ودمجها مع الهويَّة الوطنيَّة لكل منها، من خلال:
1- تشجيع نشـر أعمال حول الصُّوفيِّين المحليِّين ونشـر ترجمات للنُّصوص الصُّوفية الكلاسيكيَّة (الصوفيِّين المحليِّين) باللُّغات المحليَّة الحديثة وبالإنجليزيَّة (مع العلم بأهميَّة واتِّساع رقعة اللُّغة الإنجليزيَّة بين الشباب على وجه الخصوص).
2- تشجيع دمج القِيَم الصُّوفية مع قِيَم المجتمع المدني في المؤسسات التعليميَّة.
3- نصح مختلف أمم آسيا الوسطى بتبيين موقفًا منفتحًا تجاه إحياء النَّقْشَبنديَّة على وجه الخُصوص.
4- تشجيع إحيَاء الثَّقافة والأدب الصُّوفيين تحديدًا فيما يتصل بالتَّقاليد الموجودة المتعلِّقة بزيارة المقامات في كل دولة، وقد تمَّ مؤخرًا في إقليم مختلف تمامًا بالرغم من أنَّه لم يعانِ من التَّدخُلات الوَهَّابية وهو المغرب بتنفيذ برنامج مشابه يهدف لإحياء الصُّوفية المحليَّة التَّقليديَّة دون أن تكون هناك مساعدات أمريكيَّة.
الهوامش:
([2]) من مقال بعنوان: (الصوفية.. هل تكون النموذج الأمريكي للتغيير؟) د. عمار علي حسن.. تاريخ (26/2/2005م) على موقع إسلام أون لاين.
([3]) الأهرام: (18-12-2001). مقال بعنوان: فرض: «الإسلام المعدّل» بعد (11) سبتمبر (2001م) (14/01/2002م). وانظر أيضًا: صحيفة السفير اللبنانية في (22/9/2001م).
([4]) أقيم هذا المؤتمر بجامعة يوهانسن جوتنبرج، وقد كان بمبادرة من رابطة دراسات الشرق الأوسط في أمريكا الشمالية, وتقرر أن يعقد تحت الإشراف المشترك لهذه الرابطة والرابطة الأوروبية لدراسات الشرق الأوسط, والروابط الفرنسية والألمانية والبريطانية والإيطالية لدراسات العالمين العربي والإسلامي، وقد حضره ألفا باحث وعالم ومفكر، كما شارك في المؤتمر قرابة الألف من السياسيين الرسميين وغير الرسميين.. الأهرام عدد (42126) (25 محرم 1423هـ) الموافق (8 إبريل 2002م).
([5]) تأسست هذه المؤسسة منذ خمسين سنة، وهي مؤسسة غير ربحية ترتكز على إيجاد حلول للتحديات التي تواجه القطاعات العامة والخاصة في العالم.
([6]) التقرير من صياغة «شاريل بينارد» وهي متزوجة من «زلماي خليل زاده» الذي يشغل منصب المساعد الخاص للرئيس بوش، وكبير مستشاري الأمن القومي المسئول عن الخليج العربي وجنوب شرق آسيا، وقد عُين سفيرًا للولايات المتحدة لدى العراق، ويعتبر خليل زاده الأمريكي من أصل أفغاني الوحيد الذي ينتمي إلى المحافظين الجدد ويعرف بآرائه المتطرفة. التقرير من ترجمة وتحرير: شيرين حامد فهمي (18/5/2004م) ومجلة المجتمع (10-07-2004م) وانظر أيضًا: مجلة الحوادث الأسبوعية في عددها (2495) (20-27/8/2004م).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.