الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أما بعد؛ قال الله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1].
روى الإمام مسلم في صحيحه والإمام أحمد في مسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا، إذا أغفى إغفاءة، ثم رفع رأسه مبتسما، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال:" أنزلت علي آنفا سورة"، فقرأ: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر: 1 - 3]، ثم قال صلى الله عليه وسلم:" أتدرون ما الكوثر؟" قلنا: الله ورسوله أعلم: قال:" فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل، عليه خير كثير، ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد النجوم"[1].
وروى الإمام البخاري في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" بينما أنا أسير في الجنة إذا أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف، قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك، فإذا طيبه أو طينه مسك أذفر"[2].
وروى الترمذي في جامعه بسند صحيح عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" بينا أنا أسير في الجنة، إذ عرض لي نهر حافتاه قباب اللؤلؤ، قلت للملك: ما هذا؟".
قال: هذا الكوثر الذي أعطاكه الله، قال صلى الله عليه وسلم:" ثم ضرب بيده إلى طينه، فاستخرج مسكا"[3].
وروى الشيخان في صحيحهما- واللفظ لمسلم- عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول لله صلى الله عليه وسلم:" حوضي مسيرة شهر، وزواياه سواء، وماؤه أبيض من الورق، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منه فلا يظمأ بعده أبدا"[4].
وروى أبو يعلي في مسنده بسند صحيح عن أن بن مالك رضي الله عنه قال: أن عبيد الله بن زياد قال له: يا أبا حمزة، هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الحوض؟ فقال رضي الله عنه: لقد تركت بالمدينة عجائز يكثرن أن يسألن الله أن يوردهن حوض محمد صلى الله عليه وسلم[5].
قال القاضي عياض فيما نقله عنه الحافظ في الفتح: " ومما يجب على كل مكلف أن يعمله ويصدق به أن الله سبحانه وتعالى قد خص نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالحوض المصرح باسمه وصفته وشرابه في الأحاديث الصحيحة الشهيرة التي يحصل بمجموعها العلم القطعي، إذ روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة نيف على الثلاثين، منهم في الصحيحين ما ينيف عن العشرين، وفي غيرهما بقية ذلك مما صح نقله واشهرت رواته، ثم رواه عن الصحابة المذكورين من التابعين أمثالهم، ومن بعدهم أضعاف أضعافهم وهلم جرا، وأجمع على إثباته السلف وأهل السنة من الخلف"[6].
ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أن حوضه الكوثر أعظم حياض الأنبياء: روى الإمام الترمذي في جامعه بسند حسن أو صحيح بالشواهد عن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن لكل نبي حوضا، وإنهم يتباهون إيهم أكثر وارده، وإني لأرجو أن أكون أكثرهم واردة"[7].
قال الحافظ في الفتح: "إن ثبت فالمختص بنبينا صلى الله عليه وسلم الكوثر الذي يصب من مائه في حوضه، فإنه لم ينقل نظيره لغيره، ووقع الامتنان عليه به في سورة الكوثر"[8]. وقال الحافظ ابن كثير: "ونعلم أن حوضه صلى الله عليه وسلم أعظم الحياض وأكثرهم وردا"[9].
[1] أخرجه الإمام مسلم في صحيحه كتاب الصلاة، باب حجة من قال: البسملة آية من أول كل سورة، رقم (400)، والإمام أحمد في مسنده، رقم(11996).
[2] أخرجه البخاري في صحيحه-كتاب الرقاق-، باب في الحوض، رقم (6581).
[3] أخرجه الترمذي في جامعه، كتاب تفسير القرآن، باب من سورة الكوثر، رقم(3654)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
[4] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب في الحوض، رقم (6579)، ومسلم في صحيحه كتاب الفضائل، باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته (2292).
[5] أخرجه أبو يعلي في مسنده، رقم (3355)، وأورده الحافظ في الفتح،(13/299)، وصحح إسناده.
[6] انظر الفتح (13/298).
[7] أخرجه الترمذي في جامعه، كتاب صفة القيامة والرقائق، باب ما جاء في صفة الحوض، رقم (2611)، وأورد طرقه الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة، رقم(1589)، ثم ختم قوله: وجملة القول إن الحديث بمجموع طرقه حسن أو صحيح.
[8] انظر: فتح الباري(13/298).
[9] انظر: الفصول في سيرة الرسول (2/389).
اضف تعليق!
اكتب تعليقك
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة.